هجوم وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ( وجه رسالة للقمة العربية في شرم الشيخ ) علامة فارقة في إطار دبلوماسية ” الهدوء ” التي عرفت بها السياسية الخارجية السعودية ، غير أن هناك مبررات موضوعية لردة الفعل تلك من بينها الداخل السعودي ” المحتقن ” بسبب الإخفاق في الملفين السوري والعراقي وتلك قضية محورية في الداخل السعودي .
تداعيات الملفين السوري والعراقي حفرت أخدودا عميقا فيما بين التيارات الدينية المتشددة والحكومة ، وقد جاوز النقد حالة الهمس السائدة في أوساط تلك التيارات التي تبنت مايسمى بالثورة السورية في بداياتها ، ليظهر إلى العلن على شكل ((توهم)) بوجود ” تواطؤ ” ما مع الغرب من أجل إجهاض تلك الثورة ، وإتهام بالتخلي عن المكون السني في العراق ضمن ترتيبات مع أجنحة أخرى ( شيعية ) غير جناح رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي .
إذا ربطنا بين حالة الإخفاق تلك وقرار عاصفة ” الحزم ” يمكن إستيعاب حجم الضغوط التي تشعر بها السعودية على الصعيد الداخلي ومدى الحاجة إلى تطور إقليمي حتى وإن كان إشعال حرب يؤدي إلى إمتصاص الغضبة الشعبية بأقل تكلفة سياسية ، ولم يكن هناك من خيار سوى اليمن وجماعة أنصار الله ( الحوثيين ) المتمردة على الواقع اليمني ، على إعتبار أن بقية الخيارات ذات كلفة عالية لايمكن إحتمالها .
عاصفة ” الحزم ” مفاجأة من بلد تعود خلال السنوات الماضية اللجوء إلى (( تكتيك )) يستند على أمرين أولهما تحصين أوضاعه الداخلية من خلال الدين كأيدولوجيا دون النظر إلى الإختلافات المذهبية ، ومن خلال الحرص على توفير كل ماتحتاجه الدول والمنظمات الإسلامية ( أذربيجان مثال .. ) ، فيما يتعلق الثاني بخلق سور من التحالفات الدولية وخاصة الدول الغربية ، لكن يبدو أن هذا التكتيك وصل إلى نهايته ولم يعد ذو جدوى بعد إسقاط الولايات المتحدة الأمريكية نظام البعث في العراق ، وبعد (( إرتدادات )) مايسمى الربيع العربي .
لايمكن إستبعاد فكرة تحول التفاهم الغربي الإيراني حول البرنامج النووي بعدما نسجت خيوطه في إحدى العواصم الخليجية إلى إتفاق دائم مع الدول العظمى ( 5 + 1 ) ، وهذا التحول له تبعاته أيضا أبرزها (( تقويض )) حالة التفرد الأمني على صعيد الإقليم ، وإستبدالها بمنظومة أمنية جديدة تكون فيها إيران طرفا رئيسيا إن لم تكن الطرف الرئيسي في أية ترتيبات وبقية دول الإقليم تدور في فلكها كالحالة السائدة أيام حكم الشاه محمد رضا .
كل تلك العوامل ربما كانت سببا في خيار الحرب على اليمن ويبدو أن ذلك القرار أثمر إنفراجا داخليا واسعا في أوساط التيارات المتشددة ، تستطيع أن تسمع صداه في أكثر من عاصمة خليجية بعد اجواء الإحتقان ، وكما يقال أول الغيث قطرة ، فربما تكون تداعيات ذلك الخيار أكبر مما يتوقع فيكون هناك (( تسويات )) كبيرة على صعيد الشرق الأوسط برمته ( العراق ، سوريا ، فلسطين ) ، ويمكن أيضا أن يكون لهذا الخيار تداعيات سلبية فيما لو أخفقت عاصفة الحزم في تحقيق أهدافها .
الحوارات واللقاءات فيما بين الفرقاء السياسيين في اليمن لاقيمة لها بعد (( تدويل )) الأزمة عندما تدخلت دول الخليج والولايات المتحدة والأمم المتحدة في إطار (( المبادرة الخليجية )) التي خرجت بولادة متعسرة ، وبعد شن الحرب على اليمن ، وإن كان هناك من تسوية لمثل تلك الأزمة فقد أصبحت إيران طرفا فيها ، رغم أنها لم تكن حاضرة في أي من تفاصيل الحراك اليمني إلا من بعض الحملات الإعلامية من جانب الرئيس السابق علي عبدالله صالح .
موقف الولايات المتحدة (( غامض )) مما يجري في اليمن فهي مع الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح في بدايات الحراك الشعبي ، ثم تحولت إلى منتقد له ، وبعد تمدد جماعة أنصار الله ( الحوثيين ) ضمن مشروع تحالفهم مع الرئيس السابق عينت ضابط إتصال للتنسيق معهم ، وهذه الأيام فوجئنا بفتح ملف حقوق الإنسان داخل السعودية أولا من السويد رغم الإعتذار والتراجع إلا أن لها صدى إعلامي واسع ، وثانيا من الحكومة الكندية ومعروف أن مثل تلك الملفات لاتفتح إلا بوجود مايحفز على الإستعانة بها سياسيا .
بقى أن نقول أن فاتورة الحرب والتسوية ستكون من دماء الأبرياء من أبناء الشعب اليمني الذين تحركوا يوما ما تحت وهم الحصول على الحرية المزعومة ولم يفهموا أبدا ان المعادلات الإقليمية والدولية هي التي تحكم مسارات الدول والشعوب في المنطقة وأي تحرك لايحظى بالضوء الأخضر من تلك المعادلات سيتحول إلى كارثة كما حدث في أكثر من بلد عربي.
أضف تعليق