الآن بعد أن طوي ملف مايسمى بالحراك بكافة رموزه وتداعياته الطائفية والقبلية والعائلية ينفرج المشهد السياسي عن سؤالين مهمين يفترض البحث لهما عن إجابة أولهما يتعلق بدور مجلس الأمة الحالي بإعتباره الممثل الدستوري للمواطنين ، ويرتبط الآخر بدور القوى الوطنية التي خفت صوتها خلال السنوات الخمس الماضية رغم مسؤوليتها التاريخية .
في الفترة الماضية أختطف المشهد السياسي من بعض أبناء الأسرة الحاكمة وقد إستخدم في تلك الخطوة نواب بعضهم إسلامي وبعضهم شعبوي وتكتلات أيضا بعضها إسلامي وبعضها شعبوي ومؤسسات إعلامية بهدف الحصول على مكاسب في لعبة السلطة سواء لأنفسهم أو لأحد الرعاة الأكبر سنا ، الأمر الذي فوت الكثير من الفرص في معالجة الخلل في بنية الدولة وتطوير المشروع الديمقراطي .
اليوم الحال أفضل والساحة عادت إلى ماهي عليه قبل تلك المغامرة المشؤومة مما يرتب عبئا كبيرا على أعضاء مجلس الأمة الحالي والرئيس مرزوق الغانم في ضرورة الإلتفات إلى مشروع الإصلاح السياسي والإقتصادي وقد ربطتهما معا لأنهما كذلك ، فالتعثر في إصلاح أحدهما يؤدي بطبيعة الأمور إلى تعثر إصلاح الآخر .
القضايا الشعبوية ( إسكان ، تعليم ، صحة ) تأتي في طليعة أولويات كل مجتمع طبيعي ، لكنها ليست كل شئ فهي نتاج النظام الذي نعمل من خلاله فإذا كان ذلك النظام غير قادر على إنتاج حالة من الإيجابية تؤدي إلى تجسيد حلول لتلك القضايا على أرض الواقع فهو نظام فاشل بحاجة إلى تغيير ، الأمر الذي نعيشه الآن على كل المستويات فالتردي في كل تلك الملفات هو نتائج النظام المترهل الردئ .
مؤسسات الدولة وقطاعاتها أصابها الهرم وأصبحت محملة بأعباء لم تعد تستطيع تحملها بعد اليوم وقد أنعكست تلك الحالة على أداءها وأصبح الكل يشتكي بدءا من رجل الأعمال حتى الموظف الصغير وأصبح لزاما إعادة النظر في كل تلك البنى المترهلة وخاصة الوزارات الخدمية وتحويلها إلى شركات لتكون أكثر مرونة ورشاقة لتنفيذ المهام المكلفة بها .
قانون الخصخصة أقر منذ زمن طويل ومع ذلك يصر ( الوحش الأسطوري ) المسمى القطاع العام على تفريغه من محتواه وقد استبشرنا خيرا في تصريحات وزيرة الشؤون هند الصبيح بالعمل على خصخصة الجمعيات التعاونية التي أصبحت مرتعا للفساد كمدخل لخصخصة القطاعات الأخرى لكن توقعاتنا لم تكن في محلها ويبدو أن ذلك المشروع سحب إلى القبر كما سحبت قبله مشاريع أخرى .
ملف الإصلاح ضخم وأعرف أن هذا البرلمان ولد في ظروف إستثنائية ربما تكون عائقا أمام تبني مثل تلك الخطوات الجذرية في الإصلاح لكن هذا لايعني ان يستسلم لمثل تلك الظروف خاصة وأن هناك تناغما بين أعضاءه لم يتحقق لمجالس سابقة ، رغم أن الرهان على حكومة بمثل هذا الضعف في دعمه يكاد يكون تحت الصفر .
القوى الوطنية لها دور محوري في المرحلة المقبلة ولا أقصد بتلك القوى التنظيمات التي أصابها الوهن بغياب المؤسسين بل أقصد الشخصيات الوطنية وهم خليط من رجال أعمال ومفكرين ( مجموعة الوفاق ) وغيرهم ممن آثروا الإبتعاد ، فالساحة أصبحت جاهزة لطروحات العقل (المستطاع) ولم يبقى سوى تحريكها .
دعوة تلك القوى لتولي زمام المبادرة أصبح إستحقاقا ملحا ولابد من الإستجابة له فالظروف أصبحت مهيأة والأدوات التشريعية والتنفيذية ربما تكون للمرة الأولى في تاريخها أكثر قدرة على إستيعاب أية طروحات إصلاحية بعيدا عن أجواء المماحكات والتكسب السياسي والقيادة السياسية أصبحت أكثر إدراكا أكثر من قبل على ضرورة تبني خطوات إصلاحية حتى تقطع الطريق على أية محاولات ” فوضوية ” كتلك التي أفضت بالحياة السياسية إلى الجمود .. فهل نفعلها خاصة وأن مشروع الإصلاح السياسي والإقتصادي أصبح على الطاولة ولم يبقى سوى أن نمد يدنا لإلتقاطه ؟! .
أضف تعليق