في الفترة التي تولى فيها السياسي والاقتصادي المخضرم محمد الصقر منصب رئيس تحرير جريدة القبس، ابتكر فكرة “ديوانية القبس” لتكون منبرا تتداول فيه الفعاليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الأفكار والأخبار، لتستفيد الجريدة بما يطرح من أفكار وما يتسرب من أخبار.
الشيخ أحمد الفهد من رواد تلك الديوانية ويحضرها بين الحين والآخر بدعوة من الزميل خالد هلال المطيري الذي كان حريصًا دائما على أن يكون بوفهد بين الحضور، وللحقيقة فإن تلك الديوانية “مدرسة” حزبية وسياسية بكل ما تحمله المفردة من معنى، وشهدت الكثير من الجدل السياسي والاقتصادي، والجدل يؤدي إلى المعرفة.
بوفهد في تلك الأيام محل ثناء رواد الديوانية، فحينها كان شابًا واعدًا بالنسبة لهم ولكثيرين، وليس سرًا أنني كنت من بينهم، حتى أن بعضهم جرفه الحماس وسعى بكل جهد أن يكون موجودًا في التشكيلات الحكومية اللاحقة رغم صغر سنه، وقد قال سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد حينها عندما طرح أسمه “أليس صغيرًا على تولي مثل هذا المنصب”، لكن إصرار البعض حمله لأول منصب حكومي في حياته السياسية.
بوفهد كان جليس “النخبة” في التفكير رغم أنه ضد الطبقة التجارية، وقد أبلغ رموزها بموقفه دون مواربة، وكان يتحرّك في أوساط النخبة دون استئذان ويفتح أبواب النقاشات ويغلقها دون أن يخسر أحدًا، له أخطاؤه صحيح لكنها لم تكن خطايا، فماذا جرى حتى أصبحنا نقول الآن خسرناك يابوفهد؟
لماذا خسرنا الفهد؟ هناك الكثير يمكن أن يقال في هذا الإطار، أبرزها “الاستدارة” الكاملة في المواقف، فبعد أن كان متحالفًا مع بعض رموز الحكومة وجزءًا من مشروع “المقالب” و”التكتيكات” الخاص بها تحول فجأة إلى “معترض” على تلك الرموز الحكومية ويعمل على إسقاطها دون أن يشرح لنا نحن المواطنين البسطاء.. لماذا تلك الاستدارة الكاملة؟
في داخل تلك “الاستدارة” كان هناك الكثير من الأخطاء والخطايا، وبعضها من الصعب القبول بها أو هضمها مثل الأشرطة والوثائق “المفبركة” التي جرّت معها عشرات الضحايا (نواب سابقين، أساتذة جامعة، إعلاميين، محامين، شباب)، وحتى الآن لم يغلق وربما لن يغلق خلال السنوات الخمس المقبلة، فقد تضخمت إلى الحد الذي كادت من خلاله أن تطيح باستقرار البلاد، وليست التسريبات الحالية سوى جزءًا من أخرى قادمة.
سمحت تلك “الاستدارة” بإطلاق الأحقاد الشخصية ضد رموز الدولة ومؤسساتها، وشككت بالجميع ولم يسلم من تداعياتها أحد، فالجميع مُدان في أجواؤها دون بينة على عكس القاعدة القانونية الشهيرة “المتهم بريء حتى تثبت إدانته”، ولأول مرة في تاريخ البلاد تكال كل تلك الشتائم لآباء وأبناء نحترمهم ونقدرهم، رغم أننا نختلف معهم في كثير من التوجهات والأفكار، لكننا نتفق معهم على حب الكويت والحرص عليها.
الاعتذار شجاعة يا “بوفهد”، والأكثر شجاعة أنه كان بمبادرة منك لم يمله عليك أحد، لكن هذا لا يكفي للتكفير عن تلك الأخطاء والخطايا، فهناك خيط ربما لم تكن تراه في أجواء تلك الفوضى التي سميت زورًا وبهتانًا “كرامة وطن”، ومسؤولية الكشف عن ذلك الخيط تتحمله أولًا حتى نضمن أن لا يندس بين مفاصل هذا الوطن من لا يريد به أو بتجربته الديمقراطية الخير.
أضف تعليق