رغم هدوء الجبهة السياسية هذه الأيام و (( ركود )) الرمي كما يقال إلا أن هناك جملة من المؤشرات ينبغي رصدها خلال الخمسة أعوام الماضية ، ربما توهم البعض أن ماجرى خلالها (( حراك )) من أجل تمرير أو فرض مشروع إصلاح سياسي وإقتصادي وهي لم تكن كذلك أبدا بل كانت مجرد (( تمرد )) على الأوضاع الجديدة من قوى قديمة .
يفترض التوقف عند تلك المؤشرات كثيرا فهي مدعاة للتبصر والمراجعة ، والشعوب تمر بمنعطفات سياسية وإقتصادية وإجتماعية تستفيد منها في مسيرتها ، وما أكثر الإلتباسات في تاريخنا عند محاولة فهم بعض الأمور وسبر أعماقها ، والمفارقة أن تلك الإلتباسات تجر حالة من (( التحلطم )) والإحباط وربما الإكتئاب لدى المواطن البسيط تجاه أوضاع لايستطيع أن يدركها سوى من يعمل في الشأن العام .
جزء من أجواء الإلتباس ومايلتحق بها سببها الحكومة فهي فقيرة بالمكونات الإدارية المتميزة التي تحتاجها أي حكومة ، لكونها نتاج سياسة الترضيات الطائفية والقبلية والعائلية ، أما الجزء الآخر يرتبط بضعف المكونات البرلمانية بسبب هيمنة المعايير الثلاث أيضا ( الطائفية ، القبلية ، العائلية ) على الخيارات الإنتخابية ، أن المؤسستين تشتيكان من نفس العلة التي تجعل من إمكانية إنجاز شئ ما مستحيلة .
في قائمة المؤشرات .. كان هناك (( سعة صدر )) أسطورية من جانب (( السلطة )) وإن كنت لا أحبذ تسميتها بهذا الأسم لإحساسي بوجود تداعيات سلبية له تجاه الكم الهائل من التطاول في شبكات التواصل الإجتماعي ( تويتر ، فيس بوك ، مدونات ) ، وعكس كل التوقعات القائمة على السياق التاريخي كان هناك حكمة وصبر في معالجة ماجرى ويجري على الساحة بعيدا عن (( التشجنات )) والعنف الذي شهدته دول أخرى في المنطقة مرت بأقل مما يجري على ساحتنا المحلية وكان اللجوء إلى الدستور واضحا في كل مرحلة حتى في مرسوم الصوت الواحد .
ثانيا .. الضيق بالرأي الآخر ليس على الصعيد الحكومي فهذا أمر مفروغ منه بالنسبة للحكومات في العالم المتخلف بل على الصعيد الشعبي فقد لمسنا خلال تلك الفترة مثل ذلك الضيق من خلال وسائل التعبير المختلفة فمن وقف ضد إجراءات الحكومة لحسم صراع الجديد والقديم لايقبل إنتقاده على مثل ذلك الموقف رغم توضيح طبيعة ذلك الصراع ، ومن وقف مع تلك الإجراءات رفض أن يستمع لمبررات الرأي الآخر وكأنما الحكومة على حق في كل ماتفعله ، ورأينا سجالا إستخدمت فيه كل مفردات الشتم والتخوين والتطاول .
ثالثا .. كان هناك فريق أعطى مواقف مؤيدة للحكومة في إجراءاتها ضد القديم دون أن يحظى بوعد منها لتحقيق إصلاحات حتى ولو كانت جزئية ضمن مشروع الإصلاح السياسي والإقتصادي مثل ( تحرير الإقتصاد من الهيمنة الحكومية ، التنظيمات السياسية ) وهما ملفان قابلان للتنفيذ في مثل هذه الأجواء وليس هناك إعتراضات كبيرة عليهما حتى على الصعيد الشعبي ، وهناك أنظمة مشابهة تبنت مثل تلك الإصلاحات وحققت مزيد من الإستقرار في وضعها الداخلي .
رابعا .. غياب التجار (( الإسرة الإقتصادية )) والتيارات القومية والتقدمية عن الساحة شكل وضعا غريبا في تلك الفترة رغم كونها المحرك التاريخي لأية إصلاحات منذ أول يوم رفع فيه شعار المشاركة في إتخاذ القرار في عشرينيات القرن الماضي ، وكأنما أصيبت بإرتباك أو أنها لاتريد تقوية مكونات أخرى غيرها على الساحة على حسابها ، لكنها ظهرت بمثل تلك الخطوة يتماهى مع الموقف الحكومي بكل مايحمله من أخطاء وإن كانت لم تقر به بشكل علني ، فيما أظهرت التجارب السابقة أن تلك القوى كان تضع مسافة بينها وبين الحكومة حتى لايحسب موقفها قبولا ببعض (( الشطحات )) والتجاوزات الحكومية .
في الديمقراطيات العريقة ليس هناك مشكلة في وجود الصراعات (( السياسية )) بل هي أمر مفترض أن يحدث على أن تحسم تلك الصراعات داخل قبة البرلمان ووفق ماتقتضيه النصوص الدستورية المتعاقد عليها ، لكن المشكلة أن تكون هناك صراعات داخل طرف من أطراف العقد الدستوري ويستحضر كل طرف أدوات مذهبية وقبلية وعائلية على حساب النسيج الإجتماعي ، فيما المفترض أن يكون الصراع السياسي منصبا على طرفي العقد لاغيرهما تحت هدف واحد هو خدمة البلد والحرص على إستقرارها بنفس الوضع السائد حاليا .
أضف تعليق