لا أحد يجادل في أهمية وجود تنظيمات سياسية كطرف من أطراف العملية الديمقراطية وأداة من أدواتها لكن أهمية مثل تلك التنظيمات تتضاءل إذا غاب عن تكوينها الظروف الموضوعية والفكرية اللازمة لبقاءها وتطورها .
على الساحة المحلية لدينا مجموعة من التنظيمات الرئيسية بعضها إستند في تكوينه على مبررات دينية ( رغم أن الدين ليس أيدولوجيا بل ثقافة ) ، والبعض الآخر تضمن مسوغات تكوينه أفكار ليبرالية وديمقراطية ملتبسة حتى أن مسميات بعض تلك التنظيمات تحمل إلتباسات واضحة .
حتى الآن لا أحد يستطيع تحديد ما إذا كانت تلك التنظيمات تعيش أزمة أم أنها وصلت إلى حالة من الإفلاس تتطلب إعادة النظر في كل مايتعلق بها بدءا بالإيدولوجيات التي تتبناها تلك التنظيمات وإنتهاءا بالهياكل والبنى التنظيمية ، لكن ذلك لايمنع إستعراض الظروف التي تمر بها .
الحركة الدستورية الإسلامية كمثال ( واجهة الإخوان المسلمين في الكويت ) تمر بمرحلة حرجة وصراعات داخلية بعضها على خلفية ملفات سياسية مطروحة على الساحة مثل ملف ( الصوت الواحد ) وبعضها بنيوي داخلي أدت بها إلى التشاور مع أطراف حكومية على توزيع المناصب داخلها مما يضع علامة إستفهام كبيرة على طبيعة التنظيم.
لاتعاني الحركة الدستورية من عجز في إستقطاب الأعضاء داخلها ، فهي تستقطب الكثير منهم بسبب الإمتدادات الفكرية والمالية ، لكن لها طبيعة (( إقصائية )) لبقية المكونات التي يشكل منها المجتمع الكويتي ، فعضويتها تنحصر في مكون واحد ذو صبغة فكرية واحدة الأمر الذي يتعارض مع فكرة المواطنة التي يقوم عليها المشروع الديمقراطي .
هذه التناقضات يمكن أن تعبر عن أزمة ويمكن أن تعبر عن إفلاس لكن كما أسلفت لايمكن تحديد الحالة بدقة وهناك الكثير من المؤشرات التي يفترض التمعن في تفاصيلها حتى يكون الحكم دقيقا ، فمثلا هناك جناح داخل الحركة يؤيد الإجراءات الحكومية تجاه الملفات المطروحة ويتعاون معها ، وهناك جناح يرفض مثل تلك الإجراءات ويعمل على إسقاطها ولانعرف أيهما يمكن أن يطلق عليه الحركة الدستورية .
ربما يقول أحدهم أن هذا خلاف داخلي طبيعي وهو أمر صحيح إذا بقى داخليا وحسم بالأدوات الداخلية وإلتزم به الأعضاء أو عبروا عن رفضه بإستقالتهم من الحركة ، لكن أن يخرج إلى العلن ويعبر عن نفسه بتواصل كل طرف مع الحكومة فهذا يعني أننا أمام تنظيمين يحملان نفس الأسم .
المثال الآخر هو التحالف الوطني الديمقراطي الذي لايحمل مشكلة إزدواجية في التعاطي مع الملفات المطروحة على الساحة السياسية المحلية ، كما يحدث مع الحركة الدستورية الإسلامية فمكوناته متناغمة ، لكنه يعاني فعليا من ندرة في إستقطاب الأعضاء حتى بلغ به الأمر كما يحكي لي أحد الأعضاء إلى إستخدام أسلوب (( الميانة )) في إلحاق الشباب في عضويته .
إذا لم يؤمن الأعضاء بفكرة قيام مثل هذا التنظيم والمبررات التي يستند عليها في قيامه فلن يكون وجوده إضافة للمشروع الديمقراطي ، وقد حدث هذا الأمر في تنظيمات كثيرة كانت تسعى فقط إلى إكثار أعضاءها كما وليس كيفا وهي فكرة خاطئة عن العمل السياسي ، فالديمقراطية بحاجة إلى تنظيمات تروج لمشروعها من خلال مجموعة من أصحاب الفكر والثقافة وتخلق حالة من الفهم الحقيقي .
التجربة الديمقراطية مرت بجملة من العثرات وربما يكون جزءا من عثراتها ضعف البنية للتنظيمات السياسية وعدم قدرتها على الإنفتاح على الطبيعة المكونة للمجتمع الكويتي بشكل عام وإستقطاب شبابها على أساس المواطنة ، وينبغي أن يعاد دراسة التجربة التنظيمية ذاتيا فكما يبدو لي نحن بحاجة ماسة إلى مثل تلك الخطوة .
بقلم / ناصر العبدلي
أضف تعليق