“احاديث تبقى والفتى غير بخالدٍ” بهذه الكلمات اختصر الشاعر عروة بن الورد، الصراع الوجودي في نفس العرب بالجاهلية، فما معنى حياة نقذف فيها بلا أي دور او هدف أرضي؟ او ما معنى حياة انتهائها فناء وعدم؟، ربما لهذا جاهدوا لنيل الادوار فيها وأن يصنعوا لها معنى وبهذا خلد الكثير منهم، الشاعر والكريم والفارس، أحاديث نبقى ونخلد بها إن يكن الفتى بجسده غير بخالدٍ.
وكانهم لا يردون ان يموتوا ويقاومون الموت، بالمجد، ليبقوا احياء وخالدين بأفواه من بعدهم، احاديث تبقى، وهالك بنظرهم من لا يبقى حديثا بعد موته!، وكأنهم لا يرون هذه الحياة إلا مسرح كبير كما يرى شكسبير، خير لك أن تاخذ دورا وتصنع له معنى على ان تقذف فيها وتعبرها الى الفناء، كأن لم تكن!.
مؤلمة جدا منظور الحياة بعدمية، الاكثر إلماً ان تمر على هذه الدنيا كما ريشة تتقذفها الرياح من وادي الى واد، وبعثيةٌ هذه الحياة إن كانت بلا معنى وإن كانت مسيرتك فيها كما ركاب القطار بين محطتيّ الموت والولادة.
والاكثر ضجرا من الخلود نفسه الذي كانت لعنة انصاف الالهة في الاساطير، ما معنى إن تعيش حياةً لا تنتهي؟ بلا معنى ؟ الموت بلا شك راحة واعظم راحةً أن لا تموت إلا تؤدي دورا في هذه الحياة فتكون بعد موتك حديث كما قال عروة، بهذا عرف الجاهليين الوجه الاخر من وجه الخلود، وترياق الفناء، ان يبقى ذكرك حديثا، والاحاديث لا تموت ما بقيت الافواه، كالشعلة التي تتخطفها روؤس الشموع.
أضف تعليق