ليس في هذا العالم أشد غباء ممن يقوم بحوار أو جدال أو يجري مناقشة في الشيء المسمى التواصل الاجتماعي وتحديدا (تويتر)، فهناك يختلط العلماء بالجهلاء والحكام بالخُدّام، ويضيع العباقرة بين الحمقى ويجتمع المتخصصون والحشاشون، وكل يغني على ليلاه فلكأنك في مصنع لا نهائي منتجه الأول العبث، وما لا يخطر على بال قرد في غابة أفريقية.
هناك تصبح الإشاعة حقيقة، والنكتة عنوانا عريضا، ويصنع المزاج سياسة، ويخلق الوسم المسمى (هاشتاق) رأيا عاما وتتحول الموعظة كفرا والمعصية صلاة، والغباء فوزا بالأغلبية، وكلمة الحق صيحة في واد، ما يستدعي منك التدقيق والتحقيق، على قاعدة واحدة هي عدم التصديق!..
أما الأهم بالأمر فهو أنك يجب أن تفهّم من يناقشك الموضوع وأصله، حتى تسهّل عليه أمر معارضتك وقول عكس الذي تقوله.. ثم شتمك!..
من هذا البحر المتلاطم من قول أي أحد رأيه وفي أي موضوع، سأنتخب حدثين كثر الحديث عنهما في تويتر، أولهما تصافح الأمير تركي الفيصل (رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق) والجنرال الإسرائيلي السابق يعقوب أميدرور، فما أن انتشرت مصافحة الرجلين حتى أقسم بهائم إيران ومعهم مذنب طويل، بين غاضب ومعاتب للسعودية وما بينهما: بأنه التطبيع مع إسرائيل!..
والحقيقة أنه لا تطبيع ولا حتى محادثات سلام، بل هو لقاء ندوة يتحدث فيها متناقضان كل منهما يعرض وجهة نظره على جمع من المتخصصين، وتحديدا خبراء ورجال صحافة وسياسيين وكل من له صلة بعنوان كهذا: (معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى) فهذا معهد دراسات سياسية واستراتيجية ومن الطبيعي أنه لن يحضر منافشاته وفعالياته إلهام شاهين أو عبدالله بلخير أو صاحبة وجبات الـ 15 ثانية، أو المخابيل نجوم التواصل الاجتماعي وأمثالهم من متابعيهم!..
وما يحدث أن مثل هذا المعهد يفاتح من يشاء لإلقاء محاضرة يشارك فيها طرف معاكس، وعادة ما يكون المشاركون على طرفي نقيض كما في حال الصراع العربي الإسرائيلي، فتركي الفيصل لم يذهب إلى واشنطن لعقد لقاء سري، ولم يذهب إلا وهو يعرف من سيواجه، وفي مثل هذه الحالة وفوق منصة محدودة وجمهور متخصص سياسي ونخبوي، وفي واشنطن دي سي، سيكون الأمير تركي سخيفا إذا لم يمد يده ملاقيا يد الضيف الإسرائيلي المقابل فيصافحها، فالرجلان لم يأتيا من معارك الغوطة الشرقية، أو خنادق حرب استنزاف قائمة على جبهة قتال لا تتوقف، بل هما ضيفي ندوة مسجلة وموثقة ومحضورة وغير سرية.
مثل النقاش الذي جرى بين المحب والمبغض والفاهم والباهم حول ندوة تركي – أميدرور، جرى الليلة الماضية بين الساهرين في فضاء تويتر، حول تصريحات لوزير الخارجية السعودي د. عادل الجبير أنتجت على الفور (هاشتاق) #الجبير_الحوثيون_جيراننا لتقوم قيامة المشاركين بين مخذول ومذهول، في فهم وهضم ما قاله الجبير، وكيف يقول الرجل هذا!؟.. ولماذا إذن هذه الحرب التي تدور منذ أكثر من سنة.. فوالله لقد انهزمنا وهذا هو الاستسلام فياخيبتاه، وتعالوا لنلطم يا أيها الأنام.
ملحوظة: رابط حديث الجبير للصحيفة الفرنسية:
اتبعني لأفهمك:
أولا الجبير لم يدل بكلام كُتب فتم تحويره، بل قال تسجيلا بالصوت والصورة لم يكن عن الحوثيين، وإنما عن سورية المشكلة الأكبر التي تواجه العالم برمته، وليس اليمن حيث هناك توافق عالمي (مضطر أو متوافق) مع أي شيء تريده السعودية هناك، لتكون الملاحظة التي أدلى بها الجبير واستنتجت الصحيفة أنها تحول في الموقف، هي نفس مضمون تغريدة للرجل في حسابه على (تويتر) حيث قال: “سواء اختلفنا أو اتفقنا مع الحوثيين فإنهم يظلون جزءً من النسيج الاجتماعي لليمن، بينما داعش والقاعدة تنظيمات إرهابية يجب عدم ترك المجال لهم للبقاء لا في اليمن ولا في أي مكان آخر في العالم”.
والذي التقى الجبير متخصص في الشؤون الدولية في الصحيفة الفرنسية اسمه رافانيلو أوليفييه والمقابلة (المقطع) لا تتضمن حرفا واحدا عن اليمن، فهي (سبع دقاائق ونصف) عن سورية فقط ، أما الموضوع المتصل باليمن فكان استنتاجا من الصحيفة.
عادل الجبير وزير خارجية يواجه في العالم الخارجي ماكنة من الضخ المعادي المغرض التي تريد أن أن تجعل من بلاده راعية الإرهاب وسببه والمحرضة عليه، وفي صلب المشاركين بهذه الماكنة بهائم الإرهاب الطائفي الديني في طهران، يستغلون مشاركة 18 سعوديا من أصل 22 في هجمات 11 سبتمبر، وأن أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة (التي تستضيف إيران السفلة) بقية قادتها سعودي الجنسية، وخيب الله رجاءهم ومسعاهم في فبركة (داعش) ففاتهم جعل قائدها سعوديا أيضا، وهم ينشرون فهمهم لمصطلح الوهابية كغطاء للهجوم الشامل على مجمل الإسلام المحمدي ليكونوا هم أهل الدين الحق و (مقاولي) الغرب و (متعهديه) ضد الإرهاب ساهموا بالحرب على الإرهاب، باحتلال كل من أفغانستان والعراق، وأن السعودية هي المنبع الأساسي لهذا الإرهاب.
ويمالئ هذا الفهم ويواليه اليهود الذين يريدون صرف نظر الغرب وعلى رأسه أميركا عن كونهم سبب العداء القائم بعدوانهم على فلسطين وتأييد الغرب لهم، ولا يقف من يحسد السعودية على صدارتها للواجهة العربية والإسلامية ضد هذا الفهم بإخلاص، ويتقاطع معه مرتزقة باحثون عن المال السعودي فيسكتون إن تمت رشوتهم، ويلتحق بهم أبناء أقليات حاقدة على الأمة تمارس أمراضها النفسية بزرع الدسائس، لدى غرب يريد في أعماقه الدفينة هذا ضمن مناهضته للدين الحق، ويتحرك في ذات النطاق متلبرلون سعوديون وعرب حمقى يتخبطهم الشيطان من المس وراء شهواتهم، وبسطحية فهم منسلخ عن تاريخهم وتراثهم ودون أدنى مسؤولية أخلاقية أو قومية.
لهذا من الطبيعي والحنكة والذكاء والفطنة أن يركز الجبير في (جزئية) الجواب الذي جرى التركيز عليه على أن السعودية تعطي الأولوية لقتال داعش والقاعدة اللتان يستخدمهما أوغاد طهران لتشويه صورة المسلمين والقضاء علي دينهم، ويفسحان لهما الأدوار في اليمن والعراق وسورية إلى حد أن الوفد الحوثي في محادثات الكويت طلب عيانا بيانا وبشهادة الموفد الأممي الذي يرعى المداولات الجارية وقف قصف التحالف لتنظيم (القاعدة)!..
لقد اطلعت (وأطلعتك معي) على حديث عادل الجبير للصحيفة الفرنسية (لو فيغارو)، وهو أساسا في شأن بشار الأسد وأنه لا مستقبل له في سورية، وأن هناك عشرات المجرمين سيوفر التخلص منهم المهمة ببقاء سورية كدولة، والتخلص من الفوضى القائمة ومنح الشعب السوري خياره وحقه المشروع بعيدا عنهم.
ثم جاء تشخيص الرجل ضمن حديث منفصل للحالة اليمنية في ضوء الحرب القائمة، فوجه ضربة معلم للطرح المعادي بأن الحرب عززت من وضع القاعدة وداعش مبينا أن الحوثيين جيران ولا توجد رغبة بـ (استئصالهم) وأن الهدف باستئصال القاعدة وداعش وعودة الشرعية إلى اليمن هو القاعدة لتستنتج الصحيفة من (مضمون) هذا فهمها الذي التقطه الأعداء والجهلة، فنشب هذا السجال والجدال، وذهب بعض البهائم إلى حد تصوير الأمر بأن السعودية انهزمت وانتصرت إيران وكل ما جرى كان ولا مبرر له وكان يمكن اختصار الطريق عليه بالحوار والتفاهم وأنه لا داعي للحرب!..
هذا هو الهراء بعينه، وهو الجهل بمفهوم الحرب نفسه، فما الهدف من أي حرب يا صديقي؟
أليس تحقيق أهداف استراتيجية محددة عبر هزيمة العدو؟
وكيف تتحقق هزيمة العدو؟
أليس برضوخه واستسلامه وانصياعه لهدف المنتصر؟
وما المانع إذا أمكن للسياسة أن تحقق هذا (الانصياع) دون قتال؟
لقد شهدت حادثة لا أنساها خلال الحرب الأميركية لاحتلال العراق ثم تسليمه لإيران، ولاحظت حراسة غير طبيعية لشاحتة كبيرة محملة بحاوية أنيقة لم أر مثلها من قبل كانت تدخل إلى العراق، وقد أثار المشهد دهشتي وتساؤلاتي لأحملها إلى ضابط أميركي كبير وبعد إلحاح شرح لي وديا الأمر فإذا به يقول مفاجأة أصابتني بذهول تبخر وهو يشرح لي قيمة صاروخ التوما هوك وما هو أرخص ليتحقق نفس الهدف من القصف عبر شراء القيادات العسكرية العراقية لتولي الأدبار عائدة إلى بيوتها وتتخلى عن النظام!..
بعد عودتي إلى الكويت ذهبت إلى صديق يعمل مديرا لأحد المطابع، وشرحت له حجم الحاوية فاستخرج من أحد أدراجه ورقة الـ 100 دولار، وحسب بمعرفته بالورق الكمية فقدرها بـ 500 مليون دولار من الواضح أنها استخدمت لتفكيك جيش العراق في تلك الفترة وتسهيل عملية الاحتلال، فغادر القادة الكبار إلى بيوتهم أو التحقوا بنظام إيران فخلعوا بدلهم العسكرية أو بزات السفاري التي اشتهر بها قادة فرق حزب البعث وارتدوا العمائم المناسبة للحقبة الجديدة فجعلوا بلدهم أكبر مكب نفايات في العالم يسكنه القتل والإرهاب والدمار والتقسيم والفساد والفوضى العارمة.
إن الذي تعرضه أي تسوية في اليمن هو وقف الحرب، وجمع السلاح وعدم مزاحمة الدولة في مهماتها ومسؤولياتها، وعودة الشرعية لندتمارس الصلاحيات التي يقررها لها الشعب اليمني، أما مسألة ضم اليمن للمحور الإيراني فقد انتهت في أول ربع ساعة لنشوب عاصفة الحزم، فاليمن بعد تلك اللحظة تم فصله عن أي حلم إيراني، وهذا انتهى إلى غير رجعة ولن يتكرر أيا كان الوضع، أما أن يكون الحوثي جارا للسعودية فما المانع؟
ما المانع في أن يكون عبدالملك الحوثي نائبا منتخبا أو أن يكون حتى وزيرا في التشكيل الحكومي؟
ما المانع في أنه زيدي جارودي أو حتى شيعي إثني عشري؟
صدقا ما المانع خاصة إذا كان محروما تماما من إعطاء أي دور لإيران في اليمن؟
ما المانع!؟
أضف تعليق