نعم لدينا في الكويت هدنة غير مكتوبة صلبة ومتماسكة بين المكونات الإجتماعية..من سنة وشيعة..وحضر وبدو..وأيضا بين المكونات الفرعية داخل كل مكون..ولا يبدو في الأفق ما يشير إلى أن هذه الهدنة ستضعف..كما أن تجارب بعض الأحداث التي شهدتها البلد..وكان لبعضها المجال واسعا لتوفير فرص سانحة للإحتكاك وإشعال الشرارة..ولكن عدم حدوث أمر سئ يؤكد على وجود عفوية تلقائية للمجتمع في نزع الفتيل وذلك لقدرة أهل العقول في سرعة مبادرتهم لوأد أي حدث غير مرغوب به..وهي أحداث أثبتت أن المسافات الفاصلة بين المكونات الإجتماعية ستبقى كما..بل أن هناك من يلاحظ بأن ثمة تقدما قد تم تسجيله في محاولات “التقريب الإجتماعي” بينها.
ولكن وهنا يبدأ الشيطان يتحرك ويلعب لعبته ..ويحرك رأسه وينفخ بشروره ..هل المشهد العام على الصعيد الإجتماعي يبعث على الطمأنينة ..خاصة على المدى ما بعد المتوسط..هل سلوكنا الإجتماعي والذي هو وقود تفكيرنا السياسي..وإصرارنا على”تحويل”المكونات الإجتماعية ..قبيلة كانت أو طائفة أو عائلة..إلى مكونات سياسية..تشتغل في الشأن العام وتخوض الإنتخابات..في مختلف المجالس وجمعيات النفع العام ..وتطرح برامجها ورؤاها..(إن كانت لديها برامج ورؤى) سوف يجعل التعايش السلمي..آمنا صامدا نعم لدينا عقد إجتماعي رائع..على الأقل نظريا..بين الحاكم والمحكوم..تمكنا من خلاله إجتياز أصعب أنواع الإختبارات وبنجاح كبير..ولكن ألا نحتاج أيضا إلى عقد إجتماعي بين مكونات المجتمع …تتعهد فيها وتلتزم بحل نفسها. ما نرى ونسمع يوميا من تصرفات وسلوك وممارسات نابعة من”عقيدة فكرية ” راسخة في الوجدان تشير بوضوح إلى أن حس الإنتماء من قبل الأفراد لمكوناتهم يتعمق..وأنه يتحول بشكل مستمر إلى ولاء سياسي على حساب الولاء للوطن.
وإذا كانت الوفرة المالية خلال معظم فترات العقود الخمسة الماضية ساهمت في الحفاظ على”السلم الإجتماعي”وأعطت للأفراد والجماعات شعورا بأنهم ينالون الحد الأدنى المقبول من حقوقهم..فهل سيشكل تبدل الحال تهديدا للتعايش المنشود..لا شك بأنه من الأهمية والحصافة الإنتباه إلى مستقبل الوضع الإقتصادي في ظل التراجع الكبير في إيرادات الدولة..ولكن من الأهمية الأكبر والحصافة الأشد..أن ننتبه إلى مشكلة “عدم القبول بالآخر”وضرورة أن لا تتحول إلى صدام قبائل وطوائف…لا سمح الله.
أضف تعليق