من المدهش أن تجد اليهود مع إيران في هذا النزاع!.. يا سبحان الله، إنه التاريخ فما افترق هذا الحليفان منذ ما بعد السبي البابلي لليهود إلى نينوى، حيث ما أن ضعفت امبراطورية العراق العربية حتى قويت امبراطورية الفرس الناهضة، فتنبه اليهود السبايا في الموصل فجاؤوا فارس من جرح يوجعها: النساء!.
وتاريخ العلاقة بين الفرس واليهود طويل موغل في القدم، وكما هو شأنهم لعب اليهود دورا (السماسرة والعملاء) في الصراع بين الاشوريين والفراعنة، وهكذا ساندت دولة اليهود الشمالية (مملكة إسرائيل) الفراعنة ما أغضب سنحاريب ملك آشور فحمل عليهم عام 697ق.م فحطم معابدها في مدينة (سبسطية) وسبى أهلها بعد أن أعمل القتل فيهم وأخذهم معه إلى آشور!.
وبالمثل رفض سكان المملكة الجنوبية (يهوذا) دفع الجزية للأشوريين وبالكتاب المقدس أن الملك سنحاريب شتم آلهة أورشليم (القدس) فأرسل الله الملاك فقتل مئات الألوف من جنوده، ولكن من جهة أخرى يرد أن نبي الله إرميا نصح بني إسرائيل بالتوبة والحق، فلم يعبؤوا به، وظلوا على فجرهم وكفرهم فأخبرهم أن الله سيسلط عليهم البابليين فاتهموه بالخيانة لصالح البابليين!.. وفي عام 586ق.م حاصر الامبراطور نبوخذ نصر القدس ودمر هيكلها ودك السور الذي بناه النبي سليمان وسبى عددا كبيرا من اليهود أيضا إلى الموصل (نينوى) وانتهى وجود اليهود في فلسطين تماما، حتى جاء الغزو الفارسي على يد قورش فأعاد اليهود إلى فلسطين، وعام 614م غزا الساسانيون بقيادة شهرباز المدينة ونهبوها وذبحوا بمساعدة اليهود 90 ألفا من النصارى، وأخذوا ما يعتقد أنه الصليب الحقيقي إلى المدائن وتم استرجاعه في الصلح الذي عقدوه مع هرقل.
ثم رد هرقل (فلافيوس أغسطس هرقل 575-641م) الصاع للفرس بعد أن كانوا اقتحموا عليه تخوم بلاده العميقة، حيث كان قاد 608م ثورة ضد الإمبراطور فوقاس، الذي تسلّم السلطة بعد خلع الإمبراطور موريس، وكان والده قائدا عسكريا فذا عينه موريس نائبا له على شمال أفريقيا (قرطاج)، فلما اقترب جيش الفرس من مضيق البوسفور، عقد صلحا معهم ليتفرغ لإصلاح الدولة، ثم هاجمهم بغتة وحرر نينوى عام 627م، وهو ما مهد لعقد سلام عام 629م، بعد أن تم خلع الملك الفارسي كسرى الثاني، وينصّ يلزم الامبراطوريتين بالعودة إلى حدود عام 602م.
ونلاحظ هنا أن الفترة الفارسية في القدس كانت قصيرة وسبقت الفتح الإسلامي بأقل من عقدين من الزمن ذلك أن الروم كانوا استعادوا القدس مع فتح النبي صلى الله عليه وسلم لمكة المكرمة، ليتم فتح القدس على يد عمر عام 637م، حيث تم عقد ما سمي العهدة العمرية بين المسلمين والنصارى وشهد عليها خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعبد الرحمن بن عوف ومعاوية بن أبي سفيان.
كان اليهود (بنو إسرائيل) في نينوى أبناء قبيلتين بقيتا فقط من الاثنتي عشر قبيلة التي جاءت من أبناء يعقوب عليه السلام وكانت أحدهما ملكية، فزوجوا ابنة زعيم المسبيين لقورش وهكذا حسب الدين اليهودي صار الأكاسرة جميعا من اليهود باعتبار أن أمهم يهودية.. وانتقل هذا اليقين لفارس، فمن كانت أمه فارسية فهو فارسي!.
هكذا قَوْلَب المجوس اختطافهم لدين الإسلام عبر النساء ولهذا كان أهم عقائدهم أن ابنة كسرى أضاء وجهها المسجد، وقد فعلوا هذا من قبل مع الاسكندر المقدوني الذي هزمهم من هنا من أرض العرب في كاظمة (الكويت) فاستسلموا له وزوجوه ابنة كسرى واعتبروه منهم!.
وكما حصل في الإسلام من الاعتراض والتقول لماذا الزواج من جارية؟ اعترض قادة الاسكندر على الزواج الشرعي ممن هي جارية أو سبية حرب. ولكن يبقى للنساء دورهن، فزوجة قورش الساحرة الجمال صار أبوها وأشقاؤها من قادة وفرسان الفيالق في الجيش الكسروي وكان أكثر ما يكرهون العرب، ومنذ ذلك التاريخ شرّب اليهود المجوسية بغض أمة العرب فصار هذا عقيدة اللاشعور المستوطن في النفس الفارسية ليصبح مع الإسلام مرضا نفسيا.
فأنت تؤمن بدين يخبرك أن هؤلاء أشقاؤك وأخوتك كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، لكن عقلك الباطن يرفض هذا، فكيف تفعل والتاريخ يوفر لك أرضية من البغض للعرب (الأخوة) لا يمكن تجاوزها فهؤلاء الأشقاء بإسلامهم فعلوا معك ما لم يفعلوه مع أنفسهم. هم في صراعهم (القرشي) كانوا بين خيارين فإن انهزموا بقيت قريش وبقي العرب وإن فاز (محمد وصحابته) فهذا أيضا عز ومجد للعرب يضاف إلى مجد قريش، لكن الأمر معك مختلف كليا! هؤلاء الحفاة العراة ممن لم تحسب حسابهم يمزقون بدينهم كل مملكتك ومجمل تاريخك ويجتاحون أرضك حتى صرت تخجل من لغتك..هؤلاء يهدمون عاصمتك ويبنون بحجارتها عاصمتين، حتى إذا نسيت جرح الأولى وشفي غلّك بقتلك سادتهم عمر وعثمان وعلي نشطوا ذاكرتك بعد حين بالثانية! فمن حجر المدائن ورخامها ومرمرها وبلاطها المسكوب وقرميدها وآجرها بنى العرب الكوفة أولا عبر (عمر بن الخطاب) فكانت موطنهم ومسكن مَواليهم من الفرس! ومن ذلك أيضا كان بناء بغداد أبو جعفر المنصور، ومن ذلك صار الفارسي إذا أراد مجدا بالإسلام يخلع ثوبه ويستعرب وينخرط في بحر لغة وثقافة العرب.
هكذا يستمر هذا العربي بإغاظتك وحفر أعماقك بالقهر، فما الذي يمنعك إذن عن الانتقام منه وقتله والعلو عليه؟ لذلك هي حرب متصلة ولا تتوقف وبلا نهاية.
فما ابتلعته قريش من مر الدواء صار ترياقا تفخر به، فمحمد منها وهي قبيلته، وهي رأس العرب، وبهذا الدين المحمدي سادت وسادوا فلا يضر بل من الخير ذكر المساوئ وعن كثير منها آيات في القرآن الكريم تتحدث عن عم النبي (أبو لهب) وآباء كبار الصحابة (الوليد بن المغيرة والد خالد بن الوليد مثلا)، مقابل مجد جاء به الإسلام لهؤلاء، سيدٌ للخلق أجمعين، وسادة كرام مجاهدين نجباء رضي الله عنهم وأرضاهم وغفر لهم ما تقدم من ذنوبهم وما تأخر، وجعل خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام، وأعطاهم كتابا عربيا بلغتهم يحملوه إلى أركان الدنيا وأطرافها، وهيأ لهم سيرا من الفعل الحسن تملأ الدنيا. بالمقابل ماذا أعطى الإسلام لفارس؟.
إنها الآن تخجل من ذكر أسماء فاتحيها، وتتحسس من الإتيان على اسم معركة القادسية حيث هزم كسرى.. وتنشد منظمة التربية والثقافة والعلوم الدولية (اليونيسكو) عبر حكومة عميلة في بغداد كي تعيد إعمار المدائن! فارس جاءها إسلام جعل ملوكها مغضوبا عليهم مُشردين في الأصقاع من غبار خيل العرب، وجعل لغتها الثانية بعد العربية محتمية بآثار غبار مفرداتها، فمن شاء أن يحسن إسلامه استعرب، ومن أراد مجد اليقين شتم الكسروية وتنصل من تاريخها!.
هذا ينافي إرثا من التخادم مع اليهود أو قل بني إسرائيل، حيث الجيش الكسروي حمل هؤلاء المسبيين إلى القدس..صحيح أنه اشترط عليهم عدم تجديد الدولة لكنه منحهم في القدس والأرض (التي باركنا فيها للعالمين)، حكما ذاتيا حتى جاء الرومان ومزقوهم شر ممزق وحظروا وجودهم لأنهم قتلة يسوع، ثم لما ارتدت الكرة للفرس على الروم “غلبت الروم* في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون”، جاؤوا مرة أخرى باليهود ونصروهم وجعلوهم من أشياعهم، فلما حرر الرومان القدس من الفرس نكلوا باليهود وجددوا حظرا يحرمهم دخولها كان استمر 500 عام فلما فتحها عمر بن الخطاب ما كان فيها يهود ولا هيكل!.
لكن العلاقة اليهودية المجوسية كانت أثمرت ما اتصل حتى باللاهوت، ودعك من عبدالله بن سبأ وابنة كسرى أم الأنبياء الذين يستحوذون على الدين من العرب، فلليهود مقدسات يوافق الالتصاق والالتزام بها أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم عن خروج الدجال من المشرق وكون أكثر أتباعه من اليهود والذين منهم 70 ألفا من أصفهان عليهم الطيالس.
وأصفهان تعني (نصف العالم) وفيها معالم يهودية مخلدة منذ المخلص قورش، وفيها ضريح أستر ومردخاي (نسل يعقوب عليه السلام)، وفيها توفي النبي دانيال والنبي حبقوق، وفيها شوشندخت الزوجة اليهودية الوفية للملك يزدجرد الأول، وأيضا جثمان النبي بنيامين شقيق سيدنا يوسف عليه السلام.
أما الغريب فهو أن الطائفة اليهودية هناك ترفض العودة إلى فلسطين وتتمسك بالبقاء، ولعل هذا بل هو المصداق لحديث النبي الكريم في شأن الدجال وأتباعه من يهود أصفهان، لتكون العلاقة المتكونة ما بعد الإسلام مستندة إلى الضرر الذي ألحقه الإسلام بالجانبين دونا عن سواهما، فالإسلام يعني نهاية دور اليهود (الرسالي) مع ما لحق ذلك من بغضهم وحسدهم للنبي العربي الذي نكل بهم ليتساوى ذلك مع ما لحق بامبراطورية وملك الفرس من التمزيق والأفول، فنجد إيران الفارسية زمن الشاه محمد رضا بهلوي من السابقين بالاعتراف بإسرائيل ومن أوائل الساعين للتعامل معها نكاية بالعرب، وحيث التساوي في فعل العداوة: اليهود يغتصبون أرض فلسطين، والفرس يغتصبون أرض الأحواز.
وقد تواصل هذا في الزمن المجوسي المتدثر باللاهوت المزيف، فالخميني يشتري السلاح من إسرائيل، وخليفته علي خامنئي يعبث بما يطال من بلاد العرب، ويتحالف مع نظام طائفي تريده إسرائيل لأنه أمن لها حدودها وسكت عن احتلالها لأرضه خمسين عاما. إنه حلف حقد وبغضاء وحسد يستمر منذ قورش.. وإلى يوم الدين.
* ملحوظة: نص شرط في العهدة العمرية أنه لا يسكن بإيلياء (القدس) معهم أحد من اليهود، وخطب عمر قائلا:”يا أهل إيلياء لكم ما لنا وعليكم ما علينا”، ثم دعاه البطريرك صفرونيوس لتفقد كنيسة القيامة، فلبى دعوته، وأدركته الصلاة وهو فيها فالتفت إلى البطريرك وقال له: أين أصلي؟ فقال: مكانك صل فقال: ما كان لعمر أن يصلي في كنيسة فيأتي المسلمون من بعدي ويقولون هنا صلى عمر ويبنون عليه مسجدا، وابتعد عنها رمية حجر وفرش عباءته وصلى، وجاء المسلمون من بعده وبنوا على ذلك المكان مسجدا المسمى بمسجد عمر.
وخلال إقامته في القدس، قدم عمر على حجر الأساس، الصخرة التي وفقا للمؤرخات الإسلامية، قبل أقل من 20 عاما في وقت سابق صعد منها الرسول صلى الله عليه وسلم مع المَلَك جبريل في رحلة السموات إلى الملإ الأعلى، والمعروفة باسم الإسراء والمعراج، وقام بمسح النفايات والأنقاض واكتشف أن الصخرة حجمها أكبر، وبعد نهاية التنظيف كشف عن الحجم الحقيقي للصخرة، بنى عمر السياج حولها وأمر ببناء مسجد مجاور لها.
أضف تعليق