لا يعلم إلا قلة في هذه الدنيا أن أغنية قارئة الفنجان كتبها نزار قباني عن ياسر عرفات!.
كتب نزار الأغنية لعبدالحليم ليغنيها بعيد ذهاب ياسر عرفات رحمه الله إلى الأمم المتحدة عام 1974 ليلقي خطابه الشهير الذي دمر فيه اللغة العربية، فعرفات ككثير من الزعامات العربية لا يعرف القواعد والنحو وكان (يدهوس) الدنيا ببعضها عندما يتحدث الفصحى، ومثله كثير في التاريخ، لأذكر مثالا كبيرا وهو الوليد بن عبدالملك أعظم خلفاء بني أمية، الذي كل آثار بني أمية الباقية من شغله، وهو أكثر من اشتغل البهايم المجوس لتشويهه!
يسمونه مهندس الدولة الأموية، فقد كان بنّاءً كبيرا، ومثله المرحوم الملك خالد في السعودية، والمرحوم الشيخ زايد في الإمارات. وقد جابوا لـ (الوليد) أساتذة النحو يعلموه العربية لكن بلا فائدة، وظل لسانه معوجا كألسنة العجم عند نطقهم الحرف العربي بما في ذلك القرآن الذي إن سمعته منهم ستحسب أنه نزل على أجدادهم في قم!.
وهكذا كان (ابو عمار)!.. وستجد مقاطع من هذا الخطاب الشهير في موقع (يوتيوب) وقال فيه من على المنبر الدولي لأول مرة، وكان ذلك فتحا عظيما لقضية فلسطين: “جئتكم ببندقية الثائر في يد، وبغصن الزيتون في يد، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي، لا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي” وكررها كعادته عشرين مرة!.. هنا مقطع قصير من الخطاب، وبخطأ لغوي! https://www.youtube.com/watch?v=On20SW68fQo
كتب الخطاب في تلك الأيام بسام أبو شريف أشهر مستشار سياسي لعرفات، وهو (الأخير) كان فالحا باختيار طقم كبير من المستشارين يغطون عيوبه مما يحسب له.
وبعد أن انتهى (أبو شريف) من كتابته أضاف له اللغة الأدبية والتاريخية الشاعر الضخم محمود درويش. في تلك الأيام جميل أن نستذكر الروح اللاطائفية في منطقتنا العربية والتي دمرها الخميني العائد إلى إيران من الغرب بمؤامرة على كل المنطقة، ففي ذلك الوقت وعلى وقع أول نصر عربي عسكري في حرب أكتوبر 1973 المجيدة تم تدمير نظرية أمن إسرائيل وأسطورة (جيش الدفاع الإسرائيلي الذي لا يقهر)، وكشر المارد النفطي العربي بقيادة الملك فيصل عن أنيابه وجعل السيارات تقف صفوفا طويلة أمام محطات البنزين، واتبع الغرب التقشف باستهلاك الطاقة جراء حظر متدرج للنفط تقرر خلال اجتماع في الكويت درة العالم العربي، ليعلن الفلسطينيون عن حل (الدولة الديمقراطية) لجميع الأديان، وليذهب الرئيس اللبناني آنذاك (سليمان فرنجية) إلى المنبر العالمي مقدّما التجربة اللبنانية في التعايش بين المسلمين والمسيحيين مسوّقا نفس الحل لفلسطين، وهو ما أسفر عن ردة أميركية عبر رتل جواسيسهم بإشعال الحرب الأهلية في لبنان، وتدفيع هذا البلد الصغير الثمن تماما كما اليوم، ثم اغتيال الملك فيصل، وحتى تفريغ النصر العربي من محتواه عبر اتفاقات الفصل بين القوات.
وفيما أشعل الطائفيون النصيريون بقيادة حافظ الأسد الحرب في لبنان خدمة لمشروع التخريب الأميركي، يتولى ملالي إيران اليوم نفس المهمة ومعهم بهائمهم ليشعلوا الفتنة والخراب في كل بلد عربي تصله أيديهم، مما نشهده اليوم في العراق وسورية واليمن ولبنان وغيرها.
كان حافظ الأسد يدعم ما يسمي منظمات (جبهة الرفض) التي تناهض قرار منظمة التحرير وحركة (فتح) تحديدا بقبول خيار (السلطة الوطنية) على أي جزء يتم تحريره، وهو نفس الشعار الذي يرفعه اليوم ملالي إيران وبشار الأسد والقمامة الملتحقة بهم باسم (الممانعة) فيما هم الخونة وماكنة التدمير وإشعال الحرائق في المنطقة. كان حافظ الأسد يشعر بغيرة شديدة من نجومية عرفات الدولية، فطلب من الشاعر نزار قباني أن يكتب قصيدة يسخر فيها من أحلام عرفات (السلمية)، لكن قباني لم يكن مقتنعا بالهجوم على عرفات – حكى له لاحقا قصة القصيدة وصار عرفات يحبها! – فاختار حلا وسطا بأن يكتب شعرا رمزيا يسخر من قائد منظمة التحرير على أن يغنيه مطرب شهير، وأقنع الأسد بأن هذا أفضل، على أن تتكفل الصحافة الدمشقية وإعلام منظمات الرفض بالباقي، فكتب (قارئة الفنجان) بفهم أن عرفات يطارد خيط دخان!.
أما المدهش من الصدف فهو أن عبدالحليم ساهم بتقليص مساحة الرمز المضاد لعرفات في القصيدة، ولأنه يرغب بكلمات أرق فقد نجا عرفات من كثير من الإسقاطات، فنزار يقول: يا ولدي قد مات شهيدا..من مات على دين المحبوب، جعلها عبدالحليم يا ولدي قد مات شهيدا من مات فداءً للمحبوب!.
ونزار كتب: فحبيبة قلبك يا ولدي نائمة في قصر مرصود وكلاب تحرسه وجنود، وعبدالحليم حذف الشطر الأخير، وبناء على طلبه أضاف نزار: مقدورك أن تمضي أبدا، في بحر الحب بغير قلوع، وتكون حياتك طول العمر كتاب دموع!.
كما تم حذف مقطع يقول: ستحب كثيرا وكثيرا وتموت كثيرا وكثيرا، وستعشق كل نساء الأرض وترجع كالملك المخلوع، وأضيف عوضا عنه: فبرغم جميع حرائقه وبرغم جميع سوابقه، وبرغم دموع مئاقينا وبرغم ضياع أمانينا (الأخير حذف خلال البروفات)!.
وهكذا لم يبق مما طلبه الاسد في القصيدة غير الرمز بأن الحبيبة في القصيدة هي (فلسطين) والقارئة التي تقرأ الفنجان لياسر عرفات تقول له: ستفتش عنها (فلسطين) يا ولدي في كل مكان، وستسأل عنها موج البحر، وتسأل فيروز الشطئان، وتجوب بحارا وبحارا، وتفيض دموعك أنهارا، وسيكبر حزنك حتى يصبح أشجارا، وسترجع يوما يا ولدي، مهزوما مكسور الوجدان، وستعرف بعد رحيل العمر، بأنك كنت تطارد خيط دخان، فحبيبة قلبك ليس لها أرضٌ، أو وطن أو عنوان، ما أصعب أن تهوى امرأة، يا ولدي ليس لها عنوان، ليس لها عنوان!
مقال اكثر من رائع
مبدع يا بو علي
ستفتش عنها يا ولدي في كل مكان، وستسأل عنها موج البحر، وتسأل فيروز الشطئان، وتجوب بحارا وبحارا، وتفيض دموعك أنهارا، وسيكبر حزنك حتى يصبح أشجارا، وسترجع يوما يا ولدي، مهزوما مكسور الوجدان، وستعرف بعد رحيل العمر، بأنك كنت تطارد خيط دخان، فحبيبة قلبك ليس لها أرضٌ، أو وطن أو عنوان، ما أصعب أن تهوى امرأة، يا ولدي ليس لها عنوان، ليس لها عنوان
كم مرة بكيت وأنا أستمع لهذه الأغنية … ولكن ليس على (فلسطين)!!.