تنفضح الشعوبية على الفور لتواجه حقيقة ساطعة في الإسلام توجب حب العرب كشرط من شروط الإيمان، فما أحب العرب إلا مؤمن، وما أبغضهم إلا منافق ومشرك، وما جزع من تفضيلهم إلا فاسد غث غير السمين.
وهناك رسالة رائعة بعنوان (مبلغ الأرب في فخر العرب) لابن حجر الهيتمي رحمه الله فيها الأحاديث الواردة في فضل العرب والنهي عن بغضهم، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وصحبه وسلم: لما خلق الله الخلق اختار العرب، ثم اختار من العرب قريشا، ثم اختار من قريش بني هاشم، ثم اختارني من بني هاشم، فأنا خيرة من خيرة، (الحاكم والبيهقي).
وعن ابن عمر أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وخلق الخلق فاختار من الخلق بني آدم، واختار من بني آدم العرب، واختار من العرب مضر، واختار من مضر قريشا، واختار من قريش بني هاشم، واختارني من بني هاشم، فأنا خيار إلى خيار، فمن أحب العرب فبحبي أحبهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم، (أخرجه الحاكم في المستدرك والطبراني في المعجم الكبير والأوسط)، وقال الهيتمي في مبلغ الأرب: “حديث سنده لا بأس به”.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله حين خلق الخلق بعث جبريل، فقسم الناس قسمين، فقسم العرب قسما، وقسم العجم قسما، وكانت خيرة الله في العرب، ثم قسم العرب قسمين، فقسم اليمن قسما، وقسم مضر قسما، وقسم قريشا قسما، وكانت خيرة الله في قريش، ثم أخرجني من خير ما أنا منه، (أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط) وقال الهيتمي: “سنده حسن”.
وعن واثلة بن الأسقع يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم، (صحيح مسلم وغيره).
وعن سلمان الفارسي قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا سلمان لا تبغضني فتفارق دينك، قلت: يا رسول الله كيف أبغضك وبك هدانا الله قال: تبغض العرب فتبغضني، (أخرجه الترمذي والحاكم وغيرهما) قال الترمذي: “هذا حديث حسن غريب” وقال الحاكم: “هذا حديث صحيح الإسناد”.
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حب قريش إيمان وبغضهم كفر، وحب العرب إيمان وبغضهم كفر، فمن أحب العرب فقد أحبني، ومن أبغض العرب فقد أبغضني، (أخرج الحاكم والطبراني).
العراق وفارس العراق أصل الفتن
ومع ما هو ثابت من الأحاديث الشريفة من أن الدجال يتبعه أكثر ما يتبعه 70 ألفا من يهود أصفهان عليهم الطيالس، فإن الفتنة أيضا تخرج من العراق، وبالأحاديث الصحيحة المتواترة بأكثر من طريق، أشار النبي صلى الله عليه وسلم ناحية العراق، من جهة حجرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حيث يعلم وهو المعصوم أن دفن جسده الطاهر سيكون فيها، وقال: من هناك يطلع قرن الشيطان، وقرن الشيطان غلبته وسلطانه، والفتن والمقاتل التي تسفر عنها، وهذا ما رأيناه ونشهده في العراق ومن العراق على مر تاريخ الاقتتال باسم الإسلام.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فهم للحديث مع الشرح، وأن المقصود به (نجد العراق) تماما كما روى الإمام مسلم في صحيحه تحت رقم 2905 عن سالم بن عبدالله بن عمر يقول: يا أهل العراق ما اسألكم عن الصغيرة وأركبكم للكبيرة، سمعت ابي عبدالله بن عمر (رضي الله عنهما) يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الفتنة تجيء من ها هنا وأومأ بيده نحو الشرق (من حيث يطلع قرنا الشيطان) وأنتم يضرب بعضكم رقاب بعض، ويقول الشيخ الألباني رحمه الله:”طرق الحديث متضافرة على أن الجهة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم إنما هي المشرق وهي على التحديد العراق، وبالفعل فأول الفتن كانت في العراق (الجمل) وبعدها صفين، ثم توالى الخروج والضلال من أرض العراق.
وقد روى البخاري في (7 -77) وأحمد في (2-85-153) عن ابن أبي نعم قال:”شهدت ابن عمر وسأله رجل من أهل العراق عن مُحرم قتل ذبابا فقال: يا أهل العراق تسألوني عن محرم قتل ذبابا وقد قتلتم ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هما ريحانتي في الدنيا).
من هنا فما يجري في العراق حلقة متصلة من تسلسل نزوع مجوسي ينتقم من العرب والإسلام الذي دمر امبراطورية لا يريد هؤلاء نسيانها، فيقلبون صفحات حقدهم ناحية الغرب حيث العرب (ليس الشرق والشمال مثلا) فمرة يأتون على شكل برامكة طامعين بالسلطة، ومرة على شكل بويهيين يغنمون دولة بني العباس، ومرة على شكل دولة صفوية تفرض دينها بقوة السلاح وتحريق البيوت، ثم تحتل العراق لتعيث فيه فسادا وخرابا، وهذه المرة على يد الخمينية، وما بين هذا وهذا صفحات كثيرة من الغدر والحقد والبغضاء للعرب، فيكون في الواجهة العراق أرضا خصبة للالتحاق بهذا المشروع الأحمق الأخرق والمعوّق.
العراق بين سيطرة بني بويه وعلي خامنئي
فقاسم سليماني الذي يسكن قصرا في المنطقة الخضراء، وموكبه أكبر من مواكب الرئيس ورئيس الوزراء ورئيس النواب متغير اسم وتاريخ فقط، فمثله كان البرامكة قبل جدع أنوفهم واستئصال شأفتهم، وإن كانت قصتهم أكثر معروفية وعلما لدى الناس فقصة البويهيين اشد إدهاشا من سيطرة المجوسية على العراق، فقد سيطر هؤلاء بين 334هـ و 447هـ على خمسة خلفاء من بني العباس، بداية من خلافة المستكفي أبي القاسم عبد الله بن المكتفي بن المعتضد، من شهر صفر عام 333هـ حتى خلع في جمادى الآخرة 334هـ، فكانوا أصحاب النفوذ والسلطان الفعلي في العراق، تماما كما يفعل الآن قاسم سليماني ممثل علي خامنئي!
استولى البويهيون أولا على بلاد الديلم (جنوب غرب بحر الخزر “قزوين”) والتي فتحت في عهد عمر رضي الله عنه، وأعلنوا انهم من سلالة كسرى!.. وقد تمرد عنصر الديلم وأقوام تسكن طبرستان على الدولة باستمرار، وفي عهد المستعين بالله تم إرسال محمد بن طاهر واليا على هذه البلاد (نحو 250هـ) ولكنهم أعلنوا العصيان، ونصبوا عليهم الحسن بن زيد (الدولة الزيدية)، وكان الديلم أشد المتمردين على عمال الوالي بن طاهر، وحكم الحسن مدن طبرستان ثم الري وجرجان حتى مات سنة 271هـ وورثه أخوه محمد بن زيد وحفلت مدته بالاضطرابات مدته قتل سنة 287هـ علما أنه وأخاه تسببا بشيوع الإسلام بين أهل الديلم، وهذه بركات حكم العرب لتلك البلدان وغيرها فأفضل من يقدم الرسالة للناس هم العرب.
ثم دخل بلاد الديلم الحسن بن علي الملقب بالأطروش سنة 301هـ وظل 13 عاما يدعوهم إلى الإسلام بينهم 13سنة يدعوهم إلى الإسلام، فأسلم منهم خلق كثيرون واجتمعوا عليه وبنى في بلادهم المساجد، ليكون جيشا كبيرا استولى به على طبرستان وجرجان من السامانيين حتى توفي سنة 304هـ، ليضطرب الحال بعد نحو عقدين من الزمن ببروز قوة بني بويه في فارس والري، والسامانيين في خراسان ووراء النهر.
وكان بنو بويه ثلاثة هم: علي والحسن وأحمد، وكان طموح هؤلاء كبيرا فلما ضعفت الدولة العباسية أرسل عليّ بن بويه أخاه الأصغر أحمد ليسيطر على الأحواز والعراق الجنوبي، ولما برزت القوة البويهية كاتب قادة عملاء أصلهم فارسي من بغداد أحمد وطلبوا منه أن يأتي إلى عاصمة الخلافة، تماما كما فعل الأميركيون بتنصيب عملاء إيران في بغداد فاستدعوا مجوسهم من طهران لاستباحة البلاد وضمها ضما فعليا يشهده كل أهل الأرض.
دخل هؤلاء بغداد رغم أنف الخليفة، فلم يكن بمقدوره أن يفعل لهم شيئا يعاكس طموحاتهم، تماما كما يضرب قاسم سليماني الطاولة في اجتماع مجلس الوزراء العراقي فلا يتصدى له أحد!.. ووصل أحمد بغداد يوم 11 جمادى الأولى سنة 334هـ ليحتفي به الخليفة المستكفي ويتبايعا بعهد تحت القسم على القرآن!.. هذا بايع المستكفي بالخلافة لا ينازعه عليها تماما كما يبايع قاسم سليماني نوري المالكي أو حيدر العبادي، وهذا يبايع أحمد بالسلطنة، له مطلق الصلاحية بالتصرف تماما كما يفعل قاسم سليماني من قصره الفاره في قلب المنطقة الخضراء!.. ثم انعم الخليفة عليهم بالألقاب التالية:فصار علي بن بويه صاحب فارس(عماد الدولة) والحسن صاحب الري والجبل (ركن الدولة) وأحمد صاحب العراق (معز الدولة)، تماما كما هو علي خامنئي ولي أمر المسلمين، وكما هو (مش عارف مين) رئيس جمهورية العراق!.. على الفور ضرب البويهيون أسماءهم على عملة جديدة!
وصار الخليفة رئيسا شرعيا دينيا بلا سلطة، يتمتع بمزارعه وهيلمان حاشيته البلهاء، وصار الوزير الأول معز الدولة يستوزر ويسترئس ويفعل ما يشاء لدرجة أنه خطر بباله اغتصاب حتى اسم الخلافة انطلاقا من العقيدة الزيدية بأن بني العباس غصبوا الخلافة من غير مستحقيها، لكن مستشارين له نصحوه بألا يفعل، وقالوا له: متى قتلت الخليفة وجلست مكانه لصالح علوي تعتقد بصحة خلافته فربما امر بقتلك أنت وأهلك! وهكذا انقسم العالم الإسلامي إلى مجموعة دول فالأندلس يحكمها أمير المؤمنين عبدالرحمن الناصر، وأفريقية يحكمها الفاطميون، وفي المغرب الأدارسة والقائم بالأمر منهم إسماعيل المنصور، ويلقب أيضا بأمير المؤمنين، ومصر والشام يحكمها الإخشيديون ويخطبون باسم الخليفة العباسي، وحلب والثغور (الساحل) لسيف الدولة علي بن عبد الله بن حمدان الشيباني، ويخطبون باسم الخليفة العباسي، والجزيرة الفراتية لناصر الدولة الحسن بن علي بن عبد الله بن حمدان، ويخطب باسم الخليفة العباسي، والعراق لأحمد بن بويه وفارس والأحواز لعلي بن بويه (أمير الأمراء عماد الدولة)!.. ويخطب باسم الخليفة العباسي، وعُمان واليمن والبحرين وبادية البصرة للقرامطة، ويخطبون باسم المهدي الفاطمي، والجبل والري لحسن بن بويه (ركن الدولة) ويخطب باسم الخليفة العباسي، وجرجان وطبرستان عليها نزاع بين آل سامان وركن الدولة، وخراسان وما وراء النهر لآل سامان، ومقر ملكهم مدينة بخارى، ويخطبون للخليفة العباسي. لكن المستكفي لم يمكث على عرش الخلافة إلا 40 يوما فقد اتهمه المعز بالتآمر عليه!.. فصار هؤلاء يخلعون خليفة وينصبون آخر كما يبدلون ملابسهم، تماما كما يفعل سفير علي خامنئي في العراق الآن: هذا نريده، وهذا لا نريده، لا نريد اياد علاوي، نوري المالكي أفضل!.. لكن غضب الله أعمل عمله بهؤلاء السفلة!.. فخلال عام واحد من تصرفاتهم الحمقاء، تماما كما هم عملاء إيران اليوم، انتقلت بغداد من جنة الدنيا بأسرها، إلى مدينة مقفرة يعمها الغلاء وانعدام السلع وقلة الرزق، فأكل الناس القطط والكلاب ووصل الأمر إلى حد سلق خروب الشوك، ووقعت أمراض كثيرة بين السكان ومات كثيرون حتى عجزوا عن دفنهم فصاروا يلقونهم بالنهر ووقعت هجرة من بغداد غلى البصرة، ووصل الأمر أن باع الناس عقاراتهم بالخبز!.. وأشغل البويهيون الناس بالطائفية وأشعلوا الفتن بين الناس وكتب على مساجد بغداد ابتداء من سنة 351هـ العبارات التالية: “لعن الله معاوية بن أبي سفيان، ولعن من غصب فاطمة فدَكا، ومن منع من أن يُدفن الحسن عند قبر جده ومن نفى أبا ذر الغفاري، ومن أخرج العباس من الشورى”، فلما احتج الناس ومسحوا عبارات اللعن والسب جعلها (معز الدولة) هذا فقط: “لعن الله الظالمين لآل رسول الله”، وهو ذات الانشغال الذي فعله العهد الحالي في العراق والذي عقد محكمة فعلية لمحاكمة الخليفة هشام بن عبدالملك وحكم عليه بالإعدام شنقا!.. وفي العاشر من محرم سنة 352هـ أمر البويهيون الناس أن يغلقوا دكاكينهم وأن يظهروا النياحة ويلبسوا قبابا عملوها بالمسوح وأن تخرج النساء منثورات الشعور وقد شققن ثيابهن ويدرن في الأزقة بالنوائح ويلطمن وجوههن واستمر هذا الحال حتى تم القضاء عليهم واستعادت الخلافة مهابتها إلى أن وقعت الغزوة المغولية. نفس الأمر وقع خلال الحقبة الصفوية ابتداء من عهد المجرم إسماعيل الصفوي الذي بدأ حكمه من 907 وامتد حتى 930هـ فكان عهدا من التنكيل والقتل والتدمير وحرق البيوت على رؤوس أصحابها مما يحفظه ويسجله تاريخ ذلك العصر بشكل تفصيلي، فهي لوثة شعوبية مريضة تبغض العرب، ودائما تستهدفهم بمنطق انتقامي حاقد ومريض ولا علاج له غير العمل على تقسيم هذا البلد المسمى إيران بوصفها منبع كل الشرور والآثام.
وأعود لما بدأت فهؤلاء الشعوبيون وعلى رأسهم المجوس لا يحبون العرب ويخالفون أحاديث النبي الصحيحة في وجوب حب العرب ويكرهون حقيقة أن القرآن عربي، وأن النبي صلى الله عليه وسلم عربي، وأن (آل بيته) الذين يزعمون كذبا الولاء لهم عرب، وأن الصحابة عرب وأن أرض الرسالة عربية وأن الكعبة عربية.
والدليل تراه أمام ناظريك عيانا بيانا من احتقار العرب وازدرائهم وتصغير شأنهم والاعتزاز بالعصبية الفارسية الممحوقة الخائبة المتحدرة الخاسرة منذ أن دعا عليها النبي صلى الله عليه وسلم (مزّق الله ملكه) و(لا كسرى بعد كسرى) فرأينا العظماء من الفرس المستعربين والحقراء المخذولين من الفرس المتمسكين بفارسيتهم التي قضى عليها جيش سعد بن أبي وقاص خال النبي والوحيد على وجه الأرض الذي قال له النبي اضربسعدا بأبي أنت وأمي، وشركائه بتحطيم امبراطورية المجوس خالد بن الوليد الذي قال برسالة لكسراهم: جئتكم برجال يحبون الموت كما تحبون الخمر والنساء، والقعقاع الذي كسر أنوفهم بكسره خراطيم افيلتهم، وغيرهم كثير من الصناديد العرب الذين علموهم الإسلام فتراهم يسبونهم لأنهم يبغضونهم مع دينهم.
نعم.. هؤلاء يبغضون العرب وليس لهم أدنى صلة بالإسلام لأنهم يعلمون أن العرب خيرٌ منهم وأن الله لم يبعث رسالة الختام إلى كل البشر إلا بعد أن صنع هي ما فوق (السوبر ديلوكس) مهيأة لحملها بأمانة وعبر نبي لا رسول ولا ولي ولا موحى إليه بعده، فهو نهاية التشريع والعصمة وإلا فكيف يكون الخاتم؟
وما فعل الله هذا بقضائه وتقديره إلا بعد أن امتحن العرب وفحصهم وعرف بتقديره ايضا أنهم أرفع الأمم وأعلاها وأصلبها وأشدها بأسا وأقدرها وأحكمها، فهما فرعين للرسالة بدءا بإبراهيم عليه السلام الذي سمانا من قبل المسلمين، وكل الأنبياء بعده من ذريته: إسحاق وومن وراء إسحاق يعقوب، وإسماعيل ومن وراء إسماعيل بعد 16 أب محمد بن عبدالله الهاشمي القرشي، فلم تصمد الرسالة من التحريف إلا أقل من قرنين تقريبا (بالمعدل في فرع إسحاق)، فكذّب الناس خارج أرض الجزيرة منبع العرب ووطنهم الأول أو حرّفوا رسالات إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف وموسى وهارون وشعيبا وداود وسليمان وووألخ من حشد ورسل ظل متصلا حتى رفع الله إليه أواخرهم (ابني الخالة يحيى وعيسى) ثم ختمها من هناك ليفتحها بذرية إسماعيل الذي صمدت رسالته 2400 عام بين العرب، فما طالها التحريف بعبادة الأصنام إلا في الأربعة قرون الأخيرة من عمرها، مع أن الناس بقيت على الصلاة والحج والإطعام وطواف الكعبة ومقام إبراهيم، وبكل القيم النبيلة والأخلاق الحميدة والشهامة والشجاعة والصبر والحكمة والفصاحة والتحمل فعربنا الذين يشتمهم المجوس الأنجاس هم الأمة الوحيدة في التاريخ التي لم تصنع التماثيل العارية، وهم أهل الغيرة كانوا عندما يردون المورد يقدمون الرجال قم الفتية ثم الخدم ثم ينادي المنادي بقصر الغدير أو المورد على النساء.
عربنا هم الذين رأى نبيهم في رحلة معراجه جارية لعمر بن الخطاب أمام قصره في الجنة فقال بأنه لم ينظر إليها خشية غيرة عمر (قال له عمر: أمنك أغار يا رسول الله)؟
عربنا عزلهم الله في جزيرة قاحلة قاسية رمضاؤها تصلي الوجوه فصبروا وتحملوا وعين الله ترعاهمكي لا يطمع فيهم طامع فكانت أكبر امبراطوريتين على أبوابهم (الروم والفرس المجوس) تعف عن الوغول في بلادهم ومرابعهم وتدعهم وشأنهم بعيدا عن الفلسفة والعقائد المنحرفة.
عربنا عندما ذهب سيف بن ذي يزن مستعينا بكسرى على الأحباش قال له: وماذا عندك في اليمن حتى اساندك؟ فأشاروا عليه بأنيرسل السجناء وشذاذ الآفاق الفرس فإن ماتوا تخلص منهم وإن انتصروا حاز مجدهم، فلما دارت الدائرة إذا بهؤلاء أول من يلتحق بالإسلام العربي من الفرس!
عربنا أعطاهم الله لغة هي لسان الجنة واللغة التي علّم فيها الله آدم الأسماء كلها، فكانت فصحى قريش دارجة على الألسن 300 عام على الأقل كما هي قبل تنزيل القرآن، والعرب هم من سمّى الفرس فرسا ومن سمّى أفريقية أفريقية ومن سمّى الصين صينا والهند هندا وهم من أعطى كل خلق من الخلق اسمه.
أعد الله لغة قريش ليكون برهانه وإعجازه للبشرية كلها حتى يوم القيامة بها فعلماء اللغات يجمعون اليوم على أن العربية هي الوحيدة الباقية للنهاية، ومن حب الله للعرب هداهم وهو المقدّر لكل شيء إلى توحيد المبارزات في معلقات (سوق عكاظ) الجاهلية، فاتفقوا على أن تكتب القصائد بلسان قريش فقط.
ومن حب الله للعرب جعل خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام، ومن حب الله للعرب جعل كل البشارات بالفتح والنصر في سور وآيات نزلت في مكة المكرمة بينما المسلمون قلة قليلة محاصرون في الشعاب، يعانون الجوع والقهر والاضطهاد ومظالم الشرك، والتعذيب من المتجبرين فكان ذلك أعظم دورات التدريب لصحابة كالحواريين رضي الله عنهم ورضوا عنه تبغضهم فارس المجوسية عن بكرة ابيهم، لأنها أمة تصر على الضلال والعنجهية وسوء الخلق وسواد المنقلب.
جعل النبي صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الرجال كل واحد بأمة كاملة، فنراهم اليوم رموز البطولة والحنكة والحكمة والدهاء والجلد والصبر لدى جميع باستثناء الفرس المجوس يسبونهم ويقدحون فيهم ويفبركون عليهم قصصا لا تليق بعصابات قطّاع الطرق.
نعم إنها أمة فوق (السوبر ديلوكس) فهي تدثُر غيرها ولا تندثر.
تتخالط الأمم وتفقد هوياتها إلا العرب باقون كما هم عرب حتى يوم الدين.
أمة تمددية توسعية، تغزو المغزيين فتعربهم، ويغزوها الغزاة فيستعربون ولهم الشرف، تكفل الله بحفظ القرآن فإذا به يحفظ معه العرب أهله وحامليه حتى يوم الدين وما بعد يوم الدين مع النبي صلى الله عليه وسلم عند حوض الكوثر خلودا إلى الأبد مما لا نهاية له ولا انقضاء.
نعم نحن العرب، أكرم الله وأنعم سبحانه، وأولاء هم المجوس تتخطفهم الأقوام العابرة يميلون حيث مالوا، ويقيلون حيث قالوا..ألا لعنة الله عليهم.
أضف تعليق