للأمر بعده العاطفي الشخصي، وهو ثقيل الوطأة على النفس، فأنا أغادر بلدا أحبه واختلط حبر قلمي بتاريخه، وكثير كثير من أهله أصدقاء وأصحاب فضل، وتربطني معهم علاقة لا يمكن أن ينقص ما فيها من محبة ووفاء.. هذا عمر طويل لم أعرف فيه غير الكويت، وكل من لهم صلة بالأمر لهم فضل وبيني وبينهم ود دون تطفل وضيق.
حضرة صاحب السمو الأمير أطال الله في عمره غطيت وزارته (الخارجية) سنوات طويلة فما أخطأت يوما في خبر تنجرح معه مصلحة الكويت، ودون تفاصيل يكفيني منه أنه قال يوما لموفد لياسر عرفات اقترح اسمي سفيرا لإصلاح العلاقات مع منظمة التحرير”يوسف هكذا دون سفير أكثر من سفير”، ومثله كل من ربما أو واجهوا أو عملوا ضمن قرار إبعادي، سمو رئيس الوزراء يعرفني ولا حاجة للتفاصيل، ومعالي وزير الداخلية جالسته في مختصر بيته الخاص.
وفي أيام الاحتلال الأميركي للعراق كنت عينا من عيون دولة الكويت، ومرافقا لبعثاتها الإنسانية للشعب العراقي، ومن قبل معروف موقفي ضد الغزو ليس شعورا وإنما مقالات موثقة ويسجلها التاريخ، وإن أنكرها الإمعات في تويتر.
وحتى في مجال التهمة الطائفية المبتدعة التي يروجها الهوى الإيراني فالمحاكم تشهد أني (لبست نفسي) قضية الإساءة لمعاوية رضي الله عنه من جريدة الدار وأنا لا شأن لي بها كي لا يتحول الأمر في حينه إلى سنة وشيعة.. وعقلاء الشيعة وليس يعرفون هذا.
على كل.. كل ما سبق يظل شخصيا لا يعني الكثيرين، ليندرج أمر إبعادي ضمن خطوط درامية متشابكة للمشهد العام خلاصتها العامة فشل المشروع المجوسي الإيراني وشعور المتعلقين والمختطفين في مجاله العاطفي الواهم بالخيبة والخسارة التامة، فتراهم مع هذا التنكيل والأذى لشخص عادي لا حول له ولا قوة يتلمظون النشوة التي تعكس مرضا نفسيا وليس معنى حقيقيا في الواقع، لأن إيرانهم فيما هو ظاهر لكل ذي عقل تسير بسرعة الصوت نحو الهاوية والدمار فتذوق نفس ما تسقيه لشعوب الدول العربية التي طالتها من الآلام والخيبات التقسيمية والطائفية.
وقد حققنا اختراقا مهما في الجبهة الشعبية، العربية، التي تدرك الآن أن هؤلاء أخطر من اليهود وأنجس وأشد عداوة وجرأة منهم على مناهضة الوجود العربي وفي شتى الأقطار العربية، وليس فقط التي غرق فيها التدخل المجوسي فما حصد غير الفضيحة والاستنزاف.
وحققنا اختراقا قويا هو ما حرك الماكنة الإيرانية ضدنا بإبراز أهم جماعة معارضة للنظام (مجاهدي خلق) فهؤلاء الآن شركاء أصيلون لنا في الإعلام الشعبي العربي، ضد هذا النظام الذي يدمر إيران نفسها وليس دول جوارها فقط.
واليوم تقف الدول العربية المعتدلة في الجزيرة العربية أمام خيار البديل عنه هو انفجار الشباب بالتمرد والالتحاق بالمنظمات الإرهابية المنفلتة فيما لو ظهر على هذه الدول أي فتور في التصدي للمشروع الإيراني.
اليوم انتهت زمن الديباجة التي كانت تصدر عن القمم الخليجية من (مناشدة الجارة) وبالاسم الرسمي (الجمهورية الإسلامية في إيران) أن كذا وكذا، وأن دول المجلس حريصة على علاقات الجوار الحسن والتعاون وووو ألخ من عبارات المسايرة. إيران اليوم عدو شديد الصراحة وخطر شديد داهم وليس كما حسبناها بلدا عاقلا سيكون ذا سيرة مختلفة عن صدام حسين، بل هي أشد سوءً منه، وأكثر شرا، حتى أن الكثيرين ندموا على السماح بسقوط نظام صدام لنصطدم بالحالة الحالية مع بلد مجنون السياسة، ملوث التوجهات، يشمل خطره كل أحد، ويتهدد طموحه الأهوج الكافة من دون استثناء.
ما الذي تريده إيران عندما تهرب السلاح إلى الكويت وتنشئ فيها الخلايا التخريبية؟ ماذا يعني وجود عشرات بنادق القنص ضمن مخازن السلاح المضبوطة لخلية حزب الله؟ إن أبسط خبير عسكري يفيد بأن كل بندقية قناص معناها وجود نقطة قنص محددة للقناص صاحب البندقية التي لا يحملها إلا متدرب عليها. ماذا يعني هذا؟ هل ذلك ضمن مواجهة العدو الصهيوني كما أكذوبة حسن نصرالله: “ما بعد بعد حيفا” بينما بهائمه تحاصر مدن سورية وتنكل بمدنييها السنة؟
إن الأمر لم يعد يحتمل التعمية والطمطمة والسكوت، وإذا وضعنا الأمور بأي ميزان فلماذا يكون هناك حشد شعبي ميليشياوي في دولة ذات سيادة لو كانت هذه الدولة محترمة؟ هؤلاء يرقصون على تدمير مدن السنة، ويتهددون ما بعدها في دول الخليج، ومن هي دول الخليج؟ أليست الكويت أولها؟ وهذا السيستاني الرمز أو المرجع أو الذات المصونة التي لا تمس قل ما شئت، أوليس صاحب فتوى إطلاق هذا الحشد الطائفي؟.. وطالما الأمر كذلك فكيف به لا يصدر فتوى أو توجيها لهؤلاء المجانين كهادي العامري أو ابو كذا المهندس وغيرهما أن كفوا فليس لنا حاجة أو مبرر لتهديد الأشقاء؟
إن الأمر لم يعد يقوم على حتى الالتباس، وواضح أشد الوضوح، وهذا ليس توفيقا من الله بانفضاح الهوسة المجوسية الدورية التي تتقصد العرب كل 300-400 سنة تقريبا، فتحدث القتل والدمار قبل أن ترتد إلى المجوسية نفسها فتفني المزيد من الأغبياء والحمقى الذين يلتحقون بها. لقد حققت ولاية الفقيه الإيرانية هدفين مبينين عجيبين، فها هي تحوز على أعلى درجات البغضاء والكراهية والتحسب من الشارع العربي، وها هي تختطف المزيد من الشيعة المخدوعين بأهدافها المبيتة المتوهمين أن هذه دولة الإمام الحسين بينما هي دولة مجوسية مجرمة لا غرض لها ولا محرك غير الحقد على العرب.
لقد فعلت إيران مع شيعة العالم ما لم تفعله إسرائيل مع الجاليات اليهودية في كثير من الدول، فإسرائيل لا تغامر بمصالح هذه الجاليات مع أغلبياتها الحاضنة، فيما إيران تلقي بشيعة العالم في كل مكان إلى التهلكة والدمار، بينما هذه الأقليات الشيعية تعيش في نعيم مقيم في دولها مقارنة بدولة الولي الفقيه نائب الإمام الغائب المنتظر.
إن فشل المشروع المجوسي عائد إلى انه لا ينال التوفيق والرضى من الله، ولهذا نجد حتى الدولة التي يمكن أن نقر بأن الشيعة أغلبية نسبية فيها (العراق) غرق بفضل سياسات وتوجيهات إيران في دمار ليس مثله بما في ذلك التنكيل بأقلية شيعية صغيرة ابتدعتها دولة الولي الفقيه في نيجيرية أو غيرها، فالعراق بلد ممزق محطم الأمن بلا صحة أو تعليم وبانفجارية جهل تعمي البصيرة والبصر، وحيث قتل من شيعته الكثير تماما مثلما حدث لسنته مع الظلم والإقصاء والتطهير العرقي الموهوم بالمستحيل ذلك إيران نفسها تتجرع التحذير بأنها ستصبح دولة سنية خلال سنوات باعتبار أن أكثر من نصف طلاب مرحلتي رياض الأطفال والابتدائية من السنة.
ألا ينبغي للعقلاء أن يتصوروا الحال لو أن إيران التي نالت العراق على طبق أميركي من ذهب، جعلته دولة عصرية خالية من التمييز العنصري والطائفي، وأقامت فيه نظاما تبز به بقية الدول العربية وضمن دائرة فلكها لأن قادته لا يملكون غير الرضوخ للتوجيه الإيراني، لا أن تجعل إيران شيعة يتسننون ظاهريا ثم تدخلهم في التشكيلات الحكومية لتمثيل المكوّن السني، بينما الميليشيات تقتل كل من اسمه عمر وعائشة!
ألا ينبغي للعقلاء أن يتصوروا لو أن إيران انحازت للشعب السوري وضغطت على النظام الطائفي فيها أن يرضخ لتطلعات شعبه وحقوقه.. ألم تكن سورية مع لبنان الآن بلدين مستقرين وتدوران في فلك إيران؟ لكنها إرادة الله تكشف هؤلاء لأنهم ليسوا على حق، ولا هدى، بل الضلال كله والفجر كله.
إن الفرحين بإبعاد يوسف علاونة يستحقون المواساة، فهذا لا يمكن أن يكون نصرا ولا يمكن أن يغطي الهزيمة التي تتجرعها إيرانهم والتي نراها تتكامل يوميا حتى يقع انهيار النظام.
أضف تعليق