كتاب سبر

انقلاب تركية وخيبة الضلال وحلف الأقليات المنحرفة

توقعت فشل الانقلاب فور ورود أنبائه، فتركية تجاوزت عبر اقتصاد حديث ومنظومة دولة ثقيلة هذا العبث الذي يمكن أن يتسلل منه العسكر إلى السلطة كلما اشتهوا ذلك، أو كلما أوحى لهم موحٍ من الخارج بذلك.

على أن التفصيل الذي أرغب بتناوله هو عدم تفهمي لهذا الانقسام العربي حول تركية.

في تويتر (مثلا) جيش طويل عريض من هزازي الذيل يمينا ويسارا في شأن تركية، فيما المنطق هو أن نكون مع شعب تركية وخياراته ونتمنى لها الاستقرار.
وإن عدنا لجوهر الموضوع فلا بد أن تفهم قصة العلمانية في تركية التي الآن تعيش السلفية الوهابية قياسا بما فصل لها مصطفى كمال أتاتورك بعد سقوط الخلافة وقيام دولة تركية وفق معاهدة لوزان المفروضة من الغرب المنتصر.. والمنتقم!

والعلمانية الأتاتوركية لم تكن فصلا للدين عن الدولة.. لا يا حبيبي.. هي كانت حربا على الدين وشبه حظر كلي له فقد منعوا الأذان وحظروا الحجاب، بل كان محظورا على السياسي أن يقول في مستهل الخطاب “بسم الله الرحمن الرحيم”، وغيروا أبجدية الكتابة من العربية إلى اللاتينية وأدخلوهم حلف الأطلسي وجعلوهم يتمنون الانضمام لأوروبا، وساد احتقار العرب والمسلمين.. لقد أخرجوهم من ثوبهم الأصيل وحسبوا ذلك النهاية، ثم أشغلوا تركية بانقسام أهل السنة بين أتراك وأكراد، وواصلوا تعذيب ضمير تركية بالقضية الأرمنية، وكلما اتجه الشعب المسلم لاستعادة هويته أطلقوا كلاب العسكر كي تقوم بانقلاب يبرز عبره
الجنرالات العلويين واللادينيين والنصارى والاثني عشريين واليهود والماسونيين وشعارهم: “الحفاظ على مبادئ العلمانية”، والحقيقة أن الأمر ما كان كذلك بل الحرص من عديمي الدين على عزل أهل الدين عن الدين.. هكذا بكل دقة وصراحة، والتاريخ يشهد، وفي تركية ذات الغالبية السنية تماما كما سورية وقف (الرئيس) الانقلابي الجنرال كنعان إيفرين ليؤكد أنه سني وليس علويا تماما مما فعل حافظ الأسد!..

عندما سمح الرئيس بعد ثلاثة عقود بالأذان بكى الناس من الفرح.

وأول رئيس أقام مائدة رمضانية علنية بثها التلفزيون كان تورغوت أوزال، واعتبر ذلك انقلابا تاريخيا!..

لقد جعلت العلمانية الجيش حارسا لها، فسيطر عليه من لا يؤمن برب ولا يعرف مسجدا، ولا صوما أو صلاة على الضد من غالبية الشعب التركي.
أمام هذا الواقع كان إخوان تركية أغبياء غير ماهرين تماما كجماعتنا هداهم الله.. فلا مرونة ولا قدرة على قراءة الواقع والتعامل مع المعطيات بذكاء ولهذا كانوا يعطون المبرر للعسكر مع كل صعود لدين الأمة كي يجتاحوهم ويدمروا مشروع العودة للإسلام والهوية الطبيعية للشعب التركي، إلى أن جاءت هذه القيادة الشابة التي أحدثت تجديدا هائلا في الممارسة السياسية فانفتحت على جميع القوى بعيدا عن عقد الجمود والدوغمائية، واشتغلت على الاقتصاد والبناء والتنمية وطورت أدوات التحالف مع القوى المجتمعية ثم ركزت الزحف على المناصب القيادية في الجيش ببطء واتبعت أسلوب القضم المتدرج وغير المستفز لشعار العلمانية المنحرف الذي يقف وراءه الغرب وقوى الفساد بكل خبث وحقد وعبر الأقليات المتواطئة، وشيئا فشيئا صار هؤلاء شذرا وشظايا ممزقة بجانب أمة استعادت هويتها الإسلامية، من دون أن نغفل طبيعة (الإسلام التركي) الذي يغلب عليه التصوف، لكن الحقيقة أن أمة الإسلام عموما تغادر المذهبية الآن وتتبع الدليل، والانحرافات والشوائب تسقط الواحد بعد الآخر في عصر كل شيء فيه على الهواء، وتركية فيها الآن 15000 معهد لتحفيظ القرآن الذي هو الهدى والنور والحق المبين، في مقابل باطل اللجوء لما هو غير وارد في القرآن من الضلالات، ولهذا ما كان غريبا الذي رأيناه مع أول أخبار الانقلاب حيث بؤر الفساد والفسك والشرك تحتفل، وبحر الإيمان واليقين يصاب بالإحباط والقهر، فبهايم إيران في بغداد يسارعون للاعتراف بالانقلاب، وبهايم الإجرام والمخدرات والمتعة في دمشق والضاحية وصعدة يطلقون النار احتفالا ويتبادلون التهاني، والمتخلفون عقليا الملتحقون عن دراية أو غباء – لا فرق – بالمشروع المجوسي يهللون ويفرحون، حتى رأينا الشعب في تركية يحسم الأمر بجلاء لا تخطؤه عين، فانتشر الفرح بين الناس وساد الحزن والخزي وجوه الحمقى والأغبياء والخونة.

إن ما حدث فرصة للتعلم، وحيثما تاهت بوصلتك كعربي وكمسلم اجعل المؤشر ناحية السعودية التي تتصدى الآن للمشروع المجوسي، وتركية حليف للمملكة وبينهما مجلس تنسيق استراتيجي.

قد تكون لك ملاحظات على (النظام السعودي).. لا بأس لكنه الآن الوحيد الذي يجسد المشروع العربي الإسلامي بعيدا عن المغامرة والعبث، ونحن كعرب نريد من السعودية أكثر مما نرى:

إصلاحات داخلية وحربا على الفساد وإنفاقا سخيا على الشعب والتزام استراتيجية بعيدة المدى للتحول إلى قوة عظمى.

نعم نريد هذا ولكننا نراهم جادين ويحاولون وما لدينا (بهم) مشروع يملك فرصة وطاقة وقدرة النجاح، وقد ضعنا كعرب وراء الأحزاب ومغامرات صدام وقبله ناصر وكل أمثالهما، ولدينا الآن قوة اقتصادية (خليجية) عملاقة، وقوة عسكرية تغادر زمن الوصاية الدولية، والأهم من كل ذلك أن المجوسية تتآمر عليها وتبغضها.

إن المشروع المجوسي يلعق الخيبة في العراق وسورية واليمن ولبنان وفي الداخل الإيراني، ومشروع الدولة اليهودية في مأزق ويترنح، ونحن نبني ونعمر ونزداد قوة فتفاءل بربك ولا تتشاءم.. يرحمني ويرحمك الله.

تعليق واحد

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.