غالبا ما يتم تجاهل عامل مهم في الحرب العالمية ضد تنظيم الدولة الإسلامية وغيرهم من المتطرفين دينيا، هذا العامل هو الأثر النفسي على حد سواء في حالة النصر أو الهزيمة.
منذ حكم المسلمين للأندلس، شهد المسلمون هزائم تاريخية الواحدة تلو الأخرى، كان آخرها زوال الإمبراطورية العثمانية والتي حكمت قرابة 600 عام.
بمراجعة أعمق للتاريخ الحديث، شهد العرب هزائم سياسية تركت فلسطين تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية، في حين تنازلت سوريا ومصر عن مساحة من أراضيها في حرب الأيام الستة، وهُزم العراق مرتين من قبل قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة بمشاركة حلفائها العرب.
يشجع الفكر الأيديولوجي لداعش الشباب في مقتبل العمر من المسلمين والعرب لإيجاد “الخلافة” الموعودة على أمل النصر، وتقدم تطمينات كاذبة لهم بالعودة إلى العصر الذهبي المفقود.
ولذلك فإن هزيمة داعش مهمة على مستويين. من الناحية العملية، فإنه إنهاء لسيطرتها الفعلية على مجموعة من الأراضي ولاحتمالية قيامها بالتدريب والتخطيط لشن هجمات. وكذلك على المستوى النفسي، فإنه سيمثل هزيمة لهذه الأيديولوجية المشوهة.
لكن هزيمة داعش ماديا ومعنويا لا ينبغي أن يُترك للاستراتيجيين العسكريين أو القوات الغربية. لأن ذلك يمثل فرقا كبيرا في حال إرجاع الفضل إليهم في هزيمة التنظيم، ولتكون هذه الهزيمة مستدامة يجب أن تتزامن مع بحث حثيث عن بديل موثوق من الشباب الذين يتوقون ليكونوا جزءا من الفريق المنتصر.
إذا كان الغرب سيلعب دورا في تشكيل مستقبل ما بعد هزيمة “الخلافة الداعشية”، فمن الأهمية بمكان ألا ينسب له الفضل في هذه الهزيمة، رغم دوره الرئيسي الذي يقدمه.
ولكن الأهم من ذلك هو من سيملأ الفراغ الأيديولوجي في حال لم تعد لداعش السيطرة على الأراضي التي تحتلها. عندما تظاهر الشباب بالآلاف في شوارع تونس والقاهرة في فترة 2010-2011، اعتقد كثير منهم أنهم وصلوا إلى لحظة الديمقراطية العربية. لكن وللأسف فقد افتقر وكلاء التغيير إلى القدرة الحقيقية والتنظيم لملء الفراغ الذي خلفه رحيل زين العابدين بن علي في تونس وحبس حسني مبارك في مصر.
ومن المفارقات، فإن قوة استهداف داعش ومثيلاتها من التنظيمات والانتصارات السريعة أدى إلى بروز حركات علمانية الجذور تهدف إلى جني الثمار الجديدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
هذه الخطاب يحدث في الغالب على وسائل الاعلام الاجتماعية، ومثلهم مثل متظاهري ثورات الربيع العربي، فإن أولئك الذين يأملون في تحقيق الديمقراطية العلمانية لديها فرصة ضئيلة لملء الفراغ حقا، ومن المؤكد أنهم سيتطوروا بمجرد هزيمة المتشددين من داعش.
المطلوب الآن هو عبارة عن شراكة جديدة بين القوى المعتدلة في العالم العربي ونشطاء المجتمع المدني والعلمانيين. وأول شرط لمثل هذه الشراكة هو احترام حقيقي للآخرين ووضع حد للتنافس. شراكة ناجحة يجب أن تُحترم وأن تُبني على بدائل التطرف العنيف: وتقاسم السلطة، والشمولية والتعددية.
يجب أن يكون سبب وجود هذه الشراكة الجديدة من أجل تعزيز مبادئ الديمقراطية وتشجيع الفصل بين الدين والدولة مع احترام المتدينين المحافظين المعتدلين الذين يؤمنون بالتغيير التدريجي بدلا من الثوري.
ولكن هذا لن يكون كافيا. فتغذية القلب بدون تغذية الجسم سوف تؤخرنا إلى جولة أخرى من المتاعب. يجب أن تنفذ خطة من نوع ما يمكن أن تساعد في التصدي لمشكلة البطالة الضخمة التي تواجه معظم الشباب العرب والمسلمين اليوم.
كل هذا قد يبدو مثاليا، لكنه بالتأكيد ليس جديدا على الغرب، الذي رفض دوما مثل هذه الأفكار لصالح الحفاظ على التحالفات مع الأنظمة الاستبدادية لتعزيز المصالح على المدى القصير.
الخطر الأكبر في الأشهر والسنوات القادمة هو أن يعيد الغرب تركيز اهتماماته بأنانية نحو قضاياه الداخلية فقط. وتُظهر الهجمات العنيفة الأخيرة في الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا بشكل واضح بأن تلك الانعزالية لا تقدم شيئا يذكر لمعالجة القضايا اللامنتهية.
وفي الوقت الذي نحن بحاجة إلى هزيمة داعش، فإنه يجب إعطاء عناية لمن سيكسبون الرهان. وأفضل سيناريو – على الرغم من أنه يبدو مثاليا- يجب أن يكون الهيكل الإداري الشامل لتقاسم السلطة الذي يمكن أن يساعد على بناء مستقبل أكثر تقدما وتمثيلا لمنطقة الشرق الأوسط، ومنع أي عودة لهذه الآفة القبيحة.
أضف تعليق