الإنصاف صفة حميده ، خلق عظيم ، سمو الروح ، دلالة على سلامة النفوس ، الإنصاف بين المختصمين ، والوسط بين المضطربين ، فضيلة من الفضائل لما فيها من الرضا والشعور بالأمان لمن يؤديها بصدق وخالص النية ، كم من حقوق ضاعت ومظالم راحت بسبب عدم الإنصاف ، خلال النزاع الكل يحاول أن يبرر ويدافع عن نفسه بكل ما أوتي من قوة ويؤثر بشتى الطرق من أجل الوقوف بجانبه وإصدار الحكم لصالحه ، وقال عمر بن عبدالعزيز ” إذا أتاك الخصم وقد فقئت عيناه فلا تحكم له حتى يأتي خصمه فلعله قد فقئت عيناه جميعا “.
العمل بين المسؤول و موظفيه ، في المدرسة المدرس وطلابه ، الزوج المعدد وزوجاته ، الزوج و زوجته هناك خلافات وبعض المنازعات ، يجب أن لا تسمع من طرف واحد بل استماع إلى طرفين لتتضح الرؤية ثم الحكم بينهم .
الفاروق عمر بن الخطاب اشتهر بعدله وجرأته في الحق ، أرسى قواعد السماحة والعدالة والإنصاف في معاملة غير المسلمين وإعطائهم حقوقهم فها هو الخليفة الراشدي العادل ، وحين اشتكت إليه امرأة قبطية من عمرو بن العاص ، لأنه هدم بيتها و ضمه إلى المسجد ، أرسل إليه عمر بن الخطاب ، يسأله عن ذلك ، فأجابه عمرو : بأن المسجد قد ضاق بالمصلين ، ولم أجد إلا من ضم البيوت المحيطة بالمسجد ، وعرضت على هذه المرأة ثمنا باهظا ، فرفضت أن تأخذه ، فادخرت لها في بيت مال المسلمين ، وضممت بيتها إلى المسجد ، فماذا كان رد عمر بن الخطاب ؟ رفض ما فعله عمرو بن العاص ، وأمره أن يهدم هذا الجزء من المسجد الذي يتعبد فيه المسلمون ويصلون فيه لربهم ، وأن يعيد بناءه بيتا كما كان ، ويرده إلى صاحبته المسيحية ، وإن دل يدل على الإنصاف وحفظ الحقوق والتجرد مع العواطف والوقوف مع الحق أي كان مصدره .
النجاشي والتصرف الحضاري ، وكل شخص يمضي مع الحق بأسلوب لائق فهو حضاري جدير بأن نتعلم منه مهما تباعد به الزمن وفارسنا الذي نشيد بدوره الحضاري في مناقشة الآخر والحوار معه هو النجاشي ملك الحبشة الذي كان يدين بالمسيحية حيث لم تمنعه مخالفته للمسلمين الذين هاجروا إلى بلاده طمعا في عدله لم تمنعه تلك المخالفة من أن يضرب لنا مثلا يحتذى في الحوار ، قبل أن يعلن عمرو بن العاص إسلامه كانت له إحدى المواقف مع النجاشي حاكم الحبشة والذي كان قد هاجر إليه عدد من المسلمين فرارا بدينهم من المشركين واضطهادهم لما عرف عن هذا الحاكم من العدل ، وكان مع عمرو بن العاص عبدالله بن ربيعه ومعهم الهدايا القيمة الثمينة العظيمة من اجل أن يسلم لهم المسلمين الذين هاجروا ليحتموا به ، فرفض النجاشي أن يسلمهم دون أن يستمع من الطرف الآخر من المسلمين ولما استمع لهم رفض أن يسلمهم عمرو وصاحبه ، قال له النجاشي ذات مرة : يا عمرو كيف يعزب عنك أمر ابن عمك ؟ فو الله إنه لرسول حق ، قمة الإنصاف من النجاشي وقصة تحكى عبر القرون عن ما قام به من تصرف وإنصاف ، هذا الخلق العظيم الإنصاف راحة للضمير .. واطمئنان للقلوب .. وسكينة النفوس .. ويبرد حر الفؤاد من الجور .
أضف تعليق