بعد 26 عاماً على احتلال طاغية العراق لدولة الكويت، تمر علينا ذكريات ذلك الحدث بحلوها ومرها، حيث مرارة فقدان الأحبة من الشهداء والمفقودين ومرارة فقدان الأرض ومحاولة نزع هويتنا الكويتية، ومرارة الاحتلال وفرض الإرادة والإدارة الأجنبية، في مقابل حلاوة التلاحم الوطني وروح التحدي والأمل بالخلاص والتحرير، وهذا ما حدث بعد شهور قليلة.
شخصياً، أشارك الكثير من أهل وطني بأن تجربة الغزو الغاشم في 2 أغسطس لم نجنِ منها أي ثمار أو عِبَر توازي حجم المأساة وألم المصاب، فاليابان تم احتلالها بعد الحرب العالمية الثانية، وها هي تزخر بالعظمة والريادة، والصين أيضاً احتُلت ثلاث مرات لكنها تحولت إلى أكبر عملاق في العالم، كما احتُلت أوروبا برمتها على يد هتلر لكنها اليوم أكبر كيان اقتصادي وسياسي في الكون، لكننا في الكويت لم نشهد سوى الانحدار والتقهقر في كل أبعاد حياتنا اليومية وحتى نظرتنا المستقبلية.
حادثة الغزو غرست لدى العديد من أصحاب القرار فكرة أننا دولة مؤقتة، ولذلك كان الهمّ الأكبر لدى البعض هو نهب ما يمكن نهبه وتحويله للخارج لضمان مستقبله وأبنائه، وهذه العقدة سرت في وجدان حتى المواطن العادي الذي يسعى إلى امتلاك ولو عقار بسيط أو تأمين رصيد بنكي في الخارج!
تجربة الاحتلال رغم محدودية حجم الدمار الذي خلفه، لم نستفد منها بأن ننجح في تطوير بلدنا وتوسيع خدماته أو تدشين مشاريع يمكن الإشارة إليها بالبنان، وما قد تم عمله في هذا الصدد لا يرتقي إلى مستوى عهد النهضة الكويتية الحديثة، فما زلنا في عقدة الترميم والترقيع بمبالغ خيالية تفوق كلفة مشاريع جديدة وواعدة، وأصبحت شماعة الغزو العذر السمج لتعليق كل فشلنا عليه زوراً وبهتاناً.
الغزو العراقي حيث الملاحقة والتشريد والتعذيب ومصادرة الحريات لم يمنحنا الشوق للحرية والديمقراطية، رغم الوعود وما تم الاتفاق عليه في مؤتمر جدة عام 1990، فاليوم نعيش أدنى درجات الحرية والديمقراطية التي تحولت إلى أضحوكة مخجلة، فغابت الحريات العامة والخاصة ونحن في زمن الفضاء الإعلامي المفتوح.
الغزو وآلامه كانا مصدراً للإلهام والحلم والطموح لجميع الكويتيين في حياة جديدة، يحفزها الأمل ويستثيرها المستقبل ويجمّل معانيها العيش المشترك في الرخاء، كما كان التعايش الجميل تحت البطش والاحتلال، لكن النفوس قد تغيرت والنسيج المجتمعي بدأ بالتمزق، وجاذبية الهوية والمواطنة التي تلف الجميع حول قطبها قد ضعفت وذبلت.
اليوم، صار بعض الكويتيين هم من يحددون معايير الولاء والمواطنة للآخرين، ووصلت العنجهية والمكابرة إلى درجة التحريض على الغير، إما في البطش بهم وإما بزجهم في السجون، أو سحب جنسيتهم الكويتية وطردهم من البلد، عبر كلمات وتصريحات غير مسؤولة ورخيصة، قد لا يدركون حتى معناها أصلاً.
لم تعد الهوية والولاء والمواطنة في بلدنا معيارها الإخلاص في العمل، أو التفاني في التطوير، أو الحفاظ على الأموال العامة، أو رفع سمعة دولة الكويت ومكانتها، إنما التغني على وتر العصبية بكل أشكالها القبلي والعرقي والطائفي، أو بسبب العناد وتكريس الكراهية لاستغلالها من أجل مصالح ضيقة ومؤقتة.
أليس ما جنيناه من الغزو هو مجرد فقدان كوكبة من إخوتنا وأخواتنا الأعزاء، وتدمير جزء من منشآتنا، وعملية عسكرية دامت ساعات لاحتلالنا، وأخرى دامت 17 يوماً لتحريرنا، وانتهت البانوراما عند هذا الحد؟!
أضف تعليق