أُصيبت مصر بسبع عجاف، أزمة اقتصادية طاحنة رغم ما وهبها الله من نعم وخيرات وجنات وثروات جعلتها يوما منقذة الجزيرة العربية في عام الرمادة وسلة غذاء العالم في كثير من الأحيان، فهيأ الله لمصر الصديق يوسف ﷺ ليخرجها من إلى بر الأمان (قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) برغم الظلم الذي وقع عليه من حكام مصر وبرغم أنه أُذي في عرضه وشرفه وعفته ولُفقت له قضية آداب مخلة بالشرف وسجن ظلماً وعدواناً، وشهد شاهد من أهلها وظهرت برأته أكثر من مرة على يد العدو والصديق والمحايد وعلم القاصي والدان بمدى الجور الواقع عليه، ومع ذلك أصروا على تنفيذ جريمتهم النكراء (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين).
ثم خرج من السجن دون تنازل ولا تراجع في مبادئه وقيمه، خرج بفضل الله وحده وحين أراد الله وحده ذلك، فلم ينتقم ولم يسب ولم يلعن ولم ينزوي أو يهاجر وإنما عمل بجد واجتهاد وبذل وتضحية حتى وقفت مصر على قدميها وكانت منقذة لأهلها وجيرانها بفضل الله أولاً ثم بفضل مشروع الخير للجميع الذي حمله يوسف ﷺ على كاهله وجعل الأمة كلها تتعاون في تنفيذه والاشتراك فيه وجني ثماره.
فمكن الله ليوسف ﷺ في الأرض مرتين، الأولى عندما نجا من مكر إخوته في الجب ووصل إلى عزيز مصر (وكذلك مكنا ليوسف في الأرض) فكان ذلك تمكينا لشخص يوسف ﷺ بالنجاة والحفظ والأمان.
والثانية كانت تمكيناً للمشروع الذين يتبناه يوسف ﷺ بإقامة العدل بين الناس وحل المعضلة والأزمة الاقتصادية الطاحنة وحفظ البلاد والعباد من الهلاك وذلك بخروجه من السجن إلى الحكم (قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين).
فهل يُعيد التاريخ نفسه في هذه الأزمات المستمرة التي تمر بها البلاد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأخلاقياً وثقافيا، وما أشبة الليلة بالبارحة.
فالأزمات ليس لها بعد الله إلا الصالحين المصلحين أصحاب الأيدي المتوضئة الطاهرة الشريفة النقية المشهود لها بمحاسن الأخلاق ونظافة اليد والعفة وحسن السمعة والضمير الحي ومحاربة الفساد والسعي في قضاء حوائج الناس وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة وحفظ المال العام وصاحبة الخبرة والكفاءة والعلم والأمانة ولا يسألون الناس جزاءً ولا شكوراً فيخرجوا البلاد والعباد إلى بر الأمان ويغرسوا بذور الأمل من جديد، وقد كتب الله تعالى (إن الله لا يصلح عمل المفسدين) (وأن الله لا يهدي كيد الخائنين).
وأعتقد أن الله تعالى لن يخزي مصر وأهلها وأنه سبحانه يمهد لأمر عظيم ولابد له من تضحيات عظام يمهد لدينه ويغرس لدعوته ويحفظ أوليائه وينصر جنوده ويختار لهم خيري الدنيا والآخرة (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين، ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون).
ولا شك عندي أن الله يبتلي أناسا بالخوف والجوع ونقص في الأموال والنفس والثمرات وشظف العيش وضيق الرزق وكآبة الحياة جراء ما أجرموا في حق الوطن وأهله، وكم تحدثوا عن بركة الرزق وسعة العيش ووفرة الثمار وحلول البركة في عام واحد حكمه من اتقى الله فيهم ووضع الآخرة نصب عينه.
(ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون، أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون، أوأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون، أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون(.
أضف تعليق