بعد مقالتي السابقة عن وجوب احتواء إيران، معتبراً إياها طرفاً منتصراً في المنطقة، تلقيت ردود أفعال متفاوتة، معظمها مخالف لوجهة نظري، ويرى أن العرب لديهم قدرات على المواجهة مع طهران، ومنعها من استكمال مخططها أو مشروعها الكبير في المنطقة بعدة خيارات مختلفة تصدها، حتى لو كانت متحالفة مع روسيا، وحائزة رضا الولايات المتحدة الأميركية ودعماً إسرائيلياً مموهاً لها لتفتيت المنطقة وتقاسمها معها.
قرأت وسمعت كلام المخالفين لي، فوجدته كلاماً شاعرياً، كقصائدنا وزجلنا الحماسي القائم على رص الكلام والمحسنات البلاغية، لكن الواقع مختلف تماماً، فنحن كعرب جميعاً أهل نفط، وجماعة الحرث في أزمات اقتصادية خانقة، فأهل النفط بددوا 50 عاماً من الثروات النفطية دون أن يصنعوا اقتصاداً بديلاً، باستثناء تجربة إمارة دبي، وأهل الحرث والزرع، مثل مصر، مازالوا زبائن دائمين عند صندوق النقد الدولي، ولم يستطيعوا بناء اقتصاد، رغم توقيعهم اتفاقية سلام مع إسرائيل منذ أربعين عاماً تقريباً، فيما كوريا الجنوبية التي تهدد يومياً من جارتها بيونغ يانغ بالصواريخ النووية صنعت اقتصاداً خارقاً ونموذجياً.
وعلى المستوى العسكري، فإنه رغم كل تسليحنا الخليجي والأردني المميز، فإننا لم نستطع حسم معركة اليمن، ولم نستطع كذلك وقف المجازر اليومية ضد الشعب السوري التي لم يشهد لها التاريخ المعاصر مثيلاً، أو نوقف التطهير المذهبي للعرب السُّنة في العراق وسورية، ولا حتى حماية الشعب اللبناني من أصحاب القمصان السود التابعين لحزب الله، فما بالكم بمواجهة عسكرية مفتوحة مع إيران يشارك العالم كله بشكل مباشر أو عن طريق الأبواب الخلفية فيها دعما للفرس، كما حدث في صفقة إيران جيت بين طهران وتل أبيب في ثمانينيات القرن الماضي.
ومجدداً بالنسبة لمصر عسكرياً، فإنها غارقة في تهديدات أمنية داخلية من الإخوان المسلمين والجماعات الإرهابية، وجماعات أخرى مشبوهة في سيناء، والفوضى الأمنية في الغرب (ليبيا)، والهاجس من الجنوب الإفريقي إذا نجحت الشراكة الإثيوبية – الإسرائيلية والتقنيات الأوروبية التي تقدم إلى أديس بابا في حرف مجرى النيل، وتعطيش المصريين، ودفعهم إلى مواجهة عسكرية في أدغال إفريقيا تستنزف قدرات مصر وإمكانياتها.
وعلى المستوى السياسي، فإن خيار معظم الأنظمة العربية منذ أربعين عاماً بدعم التوجهات والتنظيمات السياسية الإسلامية التي خلقت القوى المتطرفة التي تضع العرب اليوم جميعاً في الزاوية مقابل المجتمع الدولي، بسبب محاربة الإرهاب الأصولي الإسلامي، نتائج ذلك الخيار تضعف السند الدولي لنا في أي مواجهة للعرب مع إيران، بعد أن نجحت طهران في اللعب بذكاء بورقة تنظيم القاعدة الإرهابي، وفشلت كل الأصوات التي نادت بأن محاربة النظام الأرثوقراطي الإيراني تكون بدول عربية مدنية ديمقراطية.
هذا هو الواقع، وبعد ذلك يتحدث البعض عن مواجهة مفتوحة مع إيران، فأستغرب ما هي إمكانياته وقدراته في ظل هذا المشهد العربي القميء؟! بعد أن نامت الأنظمة العربية في العسل لسنوات ومازالت فيما كانت ترى وتسمع ما يخطط له الإيرانيون وجماعتهم دون أي ردة فعل، فيا له من رهان مستهتر على وجودنا ومستقبلنا ذاك الرهان على مواجهة غير محسوبة العواقب مع طهران.
وش رايك تحتوي ابليس
طرح فيه الكثير من العلاقلانية و الواقعية و بعد النظر ، في زمن الذي فيه الكثير من الناس يعيشون حالة من الشاعرية و الرومانسية و أحلام اليقظـة . شخصيا ارى ان أستاذ عبدالمحسن ليس متشائما و لا متفائلا و لكنه لديه نظرة واقعية لمجريات الأمور و ما يحدث على الساحة الاقليمية و الدولية. و ما يمكن أضافته هنا ؛ لماذا لم يكن لدينا سياسة لكل السيناريوهات المحتملة. بعيد عن العصبية ،ما يطرحه الاستاذ عبدالمحسن هو احدى هذه السيناريوهات و تستحق الدراسة.