ترتقي الدول بمدى اهتمامها بكفاءاتها المميزين، ومثلما نجد في الكويت الكثير من أبنائها المخلصين نلحظ أيضا من يعمل لذاته مستغلاً مركزه الوظيفي وما تقدمه له من إمكانيات وخدمات لوجيستية يستغلها لمصالحه الخاصة ضارباً بعرض الحائط مصلحة الوطن والقوانين المتبعة للحد من ظاهرة استغلال الموقع الحكومي في مصالح آنية.
ليس المؤسف في الأمر وجود الصنف الثاني من المسؤولين، بل المؤسف حقاً هو تجاهل النوع الأول وهو ما يوجب التفاتة حكومية لوضع النقاط على الحروف وتصحيح الوضع المائل، لأن هذا الصنف من المسؤولين المخلصين بحاجة ماسة للالتفات، ومن ثم التشجيع كي لا يصاب بالإحباط خصوصاً أنه يرى أن من يقوم باستغلال وظيفته لمصالحه الخاصة لا تتم محاسبته بل على العكس يتم تمييزه وترقيته لمواقع إدارية أعلى وتلك قاصمة الظهر لكل مخلص وخسارة للصالح العام!
ولعل من الضروري أن أوضح ما أريد بمثال حي من وحي اهتمامي بعالم الثقافة ومعارض الكتب ومشاركاتي بها، فقد لحظت وجود شخص يمكن اعتباره نموذجاً للمسؤول المخلص الذي يعمل من أجل الكويت، ولا يهمه إن تم الانتباه لعمله أم لا، وهو مدير معرض الكويت للكتاب الأستاذ عبدالله المطيري فكل من يعرف هذا الشخص يدرك عمق التزامه بتطبيق القانون ومدى تفانيه في العمل، وله مواقف عدة مشهودة حين كان يحرص على بذل أكثر مما هو مطلوب منه لحرصه على اسم الكويت في المحافل الدولية، ولعل آخرها حينما طرأت بعض المشاكل في معرض الكويت السابق لأهم سبع دور نشر عربية مع إدارة الرقابة، وقررت هذه الدور الانسحاب من المعرض وإصدار بيان يوضح سبب انسحابهم وإغلاق أجنحتهم. فقام مدير المعرض بزيارتهم وتفاوض معهم وأقنعهم باستمرار المشاركة وعدم التصعيد وبالفعل نجح في مسعاه، إن الدافع لهذا المسعى كان هو الحفاظ على سمعة البلد.
علما بأن المشكلة وما ترتب عليها من قرار المقاطعة كانت بسبب الرقابة أي من جهة أخرى وليست إدارة المعرض.
هذا المدير كان له دور بارز في تحقيق نجاح منقطع النظير للمعرض في السنوات الخمس الأخيرة وما حققه من إنجازات تعتبر قفزات في النجاح يشهد لها كل من يتابع.
وذلك من خلال سعيه الدؤوب لجذب أندية القراءة وجمعيات النفع العام للمشاركة في المعرض ومن خلال تكثيف أنشطة الأطفال التي توّجت بمشاركة كيدزانيا في المعرض الأخير وتقديم خدماتها مجاناً للأطفال بهدف جذبهم لمعرض الكتاب وتحبيبهم في القراءة الأمر الذي عدّه المتابعون إضافة رائعة لم يسبقنا إليها أحد.
ومن جهوده الواضحة أيضاً إدخال التكنولوجيا في المعرض من خلال الشباب المتجولين بأجهزة الآيباد لاستقبال استفسارات الزوار والرد عليها فوراً من خلال تطبيق معرض الكتاب المتوافر في أجهزتهم.
وأخيراً مجهوده الرائع في وأد فكرة مقاطعة معرض الكويت للكتاب والتي تمت إثارتها مجدداً من قبل بعض الناشرين على هامش معرض أبوظبي للكتاب في مايو الماضي.
إن مثل هذه الجهود لا يعرف قيمتها إلا من هو منخرط في مجال الكتاب والثقافة بشكل عام، قد يكون أمثال هذا المسؤول المخلص ومن هم على شاكلته من المخلصين من أبناء بلدي ممن لا ينتمون لتيار سياسي أو توجه فكري معين مغبونين، ويتم تجاهل جهودهم باستمرار، وقد يتم استبدالهم بآخرين لا يمتلكون من المهارات سوى التملق أو العلاقات الشخصية مع من يرشحهم من القيادات الحكومية، مع الأسف، وكأن الكويت لا حظَّ لها في أبنائها المخلصين.
قلبي كما قلوب أهل الكويت يعتصر ألماً على تراجعنا في كل مناحي الإدارة بسبب تغول ضيق الأفق وتقديم المحسوبية على الكفاءة وضياع العدالة الإدارية في وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، ولهذا أخشى أن يتم إزاحة مدير معرض الكتاب واستبداله بآخرين أقل كفاءة وقدرة على استمرار النجاح.
أضف تعليق