أقلامهم

د.حسن جوهر: التجنيس الخجول..!

دفعة التجنيس الأخيرة خطوة مهمة ومقدرة في حلحلة هذا الملف الشائك والمتعطل منذ أكثر من نصف قرن، وهي من الحالات القليلة التي تقوم الحكومة بتحمّل مسؤوليتها ولو بشكل محدود وخجول في إنصاف المستحقين للمواطنة الكويتية.

كالعادة تواجه سياسة التجنيس بردود فعل متناقضة ما بين مؤيد ومعارض، ولأن المواقف المعارضة تكون هي الأعلى صوتاً وترفع شعارات عاطفية مثل تخريب النسيج الاجتماعي ومزاحمة الكويتيين في لقمة عيشهم، فإن دفعات التجنيس تكون متباعدة وقليلة، وللعلم فإن المرسوم الأخير لم يكن سوى تطبيق لقوانين قائمة تتمثل بإلحاق الأبناء إما بأمهاتهم أو بآبائهم الكويتيين، وقد لا ينطبق على ذلك مفهوم التجنيس في بعده السياسي أو القانوني مثل تجنيس أصحاب الخدمات الجليلة أو تعديل أوضاع البدون.

في الحالتين سواء كان التجنيس لأبناء الكويتيين والكويتيات أو لتعديل الوضع القانوني للبدون، فإنه يمثل حالة انفراج وصفحة جديدة وعيشة كريمة لمن قضوا سنوات طويلة من الألم والمعاناة، وقيمة مضافة للإنسان كثروة وطنية ومورد للاستثمار، وربما لا يشعر بهذه الفرحة ومدى تغيير الحياة برمتها إلا من حظي بشرف المواطنة.

قد لا تكون معايير التجنيس ثابتة ومنصفة، وفي الكويت تحديداً قد تكون هناك تدخلات مباشرة وغير مباشرة في هذا الملف، وموضوع التجنيس في الأصل من القضايا السيادية التي تنفرد بها وزارة الداخلية، ولكن هذا لا يعني أن الكثير ممن يمنحون الجنسية لا يستحقونها، وعلى العكس تماماً فإن الغالبية العظمى من المتجنسين هم من بسطاء الناس وعوامهم ويعكسون تلقائية المجتمع الكويتي وتركيبته المتنوعة والتعددية.

المفارقة في قضية التجنيس أن أشرس المعترضين على ذلك ومن يتباكون على النسيج الكويتي وأموال الدولة هم غالباً ممن يستبسلون في الدفاع عن الحكومة، ويغطون تجاوزاتها المالية، ويدافعون عن أخطائها المتعمدة، ويشيدون بإخفاقاتها، ولكن عندما يصل الأمر إلى تجنيس مجموعة من عباد الله تقوم قيامتهم ويصل الأمر إلى حد التهديد والوعيد وحتى الاستجواب والمحاسبة!

قد تكون لكل دولة خصوصيتها في مسألة التجنيس، والأولمبياد الجارية في البرازيل قد تعكس إحدى أوجه التجنيس في بعض الدول الشقيقة، حيث أوصلها رياضيوها المجنسون إلى العالمية في مجال الرياضة عندما حصدوا الذهب والفضة والبرونز، لكن نتمنى أن تكون سياسة التجنيس عندنا هي حل لمشكلة أزلية بمنظور إنساني وحضاري، وبهدف الاستثمار في الطاقة البشرية المخزونة بعشرات الآلاف ممن قضوا سنوات طوال في بلدنا، وساهموا بكل شيء من أجلها، وضحى منهم من ضحى بروحه ودمه من أجل الكويت، وأن تكون غاية التجنيس هي مجرد رفع الظلم والمعاناة عمن يستحق.

ونحن نبارك لإخواننا وأخواتنا الكويتيين الجدد وندعو لهم بالتوفيق في حياتهم الجديدة، وأن يثبتوا للجميع أنهم أهل لذلك في سلوكهم وعطائهم وأخلاقهم لبلدهم، نتأمل المزيد من الخطوات الجادة لتخفيف حجم الملف المتورم للبدون الذي طالما كان وصمة سلبية في جبين كويت الأمل والإنسانية!