هل حجم وعدد الإعدامات في إيران دليل على ثقة النظام بنفسه وفي البقاء في الحكم، أم هو دليل على ضعف النظام وخوفه من التغيير، والتعويض عن هذا الضعف بتصاعد عدد الإعدامات، على أنها الرادع لأي حركة احتجاجية! إلى درجة الحاجة إلى الرافعات من أجل تنفيذ عمليات الإعدام؟ الإجابة عن ذلك السؤال قد تأخذ طريقين؛ الأول من جانب مؤيدي النظام أنها دليل على ثقة بأن الشعوب الإيرانية راضية بذلك، والآخر من مخالفي النظام على أنها دليل قلق كبير من النظام وعدم تسامح مع أي شكل من أشكال المعارضة، حتى لو كانت من الأطفال والنساء.
الأرقام مخيفة عند النظر إليها، فالأرقام الخام في الإعدام دوليًا تضع الصين في المقام الأول وإيران في المقام الثاني، أما إذا تخلينا عن الأرقام الخام، وتم حساب النسبة مقارنة بعدد السكان، فإن إيران تتصدر القائمة الدولية بمراحل كبيرة.
يعاقب القانون الإيراني القائم بالعقوبات المتشددة والكبرى (الإعدام) على ارتكاب عدد من الجرائم هي ثمان أساسية من بينها الخيانة العظمى والتعاون مع العدو! (لا يوجد عقوبة إعدام على جرائم الفساد)، وتحت هذا النص الواسع (الخيانة العظمى) تم تصفية آلاف من المعارضين الإيرانيين. لقد ظهر في مقدمة الإعلام العالمي من جديد موضوع الإعدامات في إيران بعد إعدام عالم الذرة الإيراني شهرام أميري الذي أعدم في الثالث من الشهر الحالي، بعد أن استقبل استقبال الأبطال في مطار الخميني بعد عودته الغامضة من الولايات المتحدة. الحديث حول العودة غامض وقريب إلى أفلام الإثارة، ولكنه يذكرنا بسذاجة راحل آخر هو صهر صدام حسين، حسين كامل، الذي صدق مواعيد الأول بالعفو عنه، ثم تم قتله شر قتلة!
الإعدامات في إيران تدخل في موجات، من الموجات الكبرى التي تمت كانت في بداية الثورة عندما قام الرهيب صادق خلخالي بالطواف بالمدن الإيرانية المختلفة وتنصيب نفسه، بناء على أوامر من الخميني وفتوى جاهزة، بإصدار أحكام الإعدام، ولو لم تجرِ صيحات ضد ذلك التصرف الرهيب لبقى خلخالي يقصف في رقاب الإيرانيين. أما الموجة الثانية فقد حدثت في عام 1988 الذي أعدم فيها أكثر من ثلاثين ألفًا في أسابيع قليلة قبيل انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، كانت سجون إيران مكتظة بالمعارضين وتقرر تنظيف السجون بفتوى جديدة من خميني مفادها أن (أعضاء مجاهدين خلق يحاربون الله، واليساريين مرتدون عن الإسلام)، وما رشح من تحقيقات مع هؤلاء السجناء يبدو غريبًا لمن لا يعرف كيف يفكر النظام الإيراني، فقد كانت التحقيقات تدور على أسئلة: هل أنت على استعداد لكشف أسماء المنافقين من رفاقك، أو هل تريد أن تؤيد الثورة وتساعد في الحرب بدخولك في حقول الألغام على الحدود! كما اشترط على عائلات المنكوبين أن لا يقيموا عزاء أو يطالبوا بتسلم جثث المعدومين، وإن مضى ستة أشهر على التزامهم بذلك الشرط، ربما يُدلون على قبور أعضاء أسرهم! كان الأمر مثيرًا حتى إلى بعض القيادات الإيرانية وقتها، فكتب حسين علي منتظري، نائب الخميني، وقتها ثلاث رسائل محتجًا على هذه الجولة الكبرى من الإعدامات، واحدة من الرسائل إلى الخميني شخصيًا، وقد كلفته تلك الرسائل منصبه كنائب للإمام، كون الإمام معصومًا في كل ما يفعل!
الظاهرة الأخرى في تنفيذ أحكام الإعدام هي إعدام الأطفال، فعلى الرغم من أن إيران الدولة قد وقعت على وثيقة حقوق الأطفال الدولية التي تمنع تنفيذ العقوبة الكبرى (الإعدام) على من أقل من ثماني عشرة سنة من العمر، فإن النظام الإيراني برر تلك الإعدامات أن الإنسان (مكلف) قبل أن يصل إلى ذلك العمر، والسن التي تجعل يد النظام مطلقة في تنفيذ الإعدام على الأطفال هي التي تحدده، وكذلك إعدام النساء اللاتي يصفن بعدوات الله! لقد تبين للشعوب الإيرانية أنهم استبدلوا بتاج الشاه العمامة، وتبين أن العمامة تستخدم أساليب التاج نفسها، ولكن على نطاق أوسع وأكثر دموية وحذاقة، وباسم الله المنزه عن تلك الأفعال! لم يتبينوا حتى الآن، أن ثورة الشعب الإيراني على الشاه كان جزء غير يسير منها بسبب ما كان يفعله السافاك، الجهاز السري في الناس!
تقارير منظمة العفو الدولية والمصاحبة تضج بتوثيق تلك الممارسات، بل حدثت إدانات من الأمم المتحدة من خلال مؤسساتها المتخصصة، لكن الأمر لم يتوقف ولا يبدو أنه سوف يتوقف.
لقد اعتقد البعض أن السيد حسن روحاني سوف يأخذ طريقًا آخر بدلاً من استمرار الإعدامات للمخالفين، كونه تعلم في الغرب جزئيًا! ولكن الأمر ظهر عكس ذلك، يبدو أن الدولة العميقة التي أسسها الملالي قد استباحت الإعدام للتخلص من أعدائها السياسيين، ربما لأن بعضًا من في السلطة اليوم كان سجينًا في سجون الشاه وخرج لسبب أو لآخر! وبالتالي تكونت لديهم عقدة مفادها أن (المعارض المأمون هو المعارض المقتول!) في عهد روحاني وعلى عكس ما وعد به في منشوراته السابقة للانتخابات من حريات عامة وسيادة القانون، تبين أن عدد من نفذ فيهم حكم الإعدام يزداد، بل يتسع إلى الإعدام لأبناء الطوائف المذهبية الأخرى، بعد محاكمات شكلية وسريعة، حتى أن السيد أحمد شهيد إمام من مجلس حقوق الإنسان في جنيف قدم تقريرًا يقول في الآونة الأخيرة إن النظام الإيراني هو (الأكثر في تنفيذ أحكام الإعدام في القاصرين) يبدو أن الشعوب الإيرانية مخيرة بين عدد من البدائل؛ إما الحرمان الاقتصادي في الداخل، أو التطوع في حروب إيران الخارجية في كل من العراق وسوريا واليمن، أو الموت شنقًا على رافعات البناء! وهي خيارات لا يتمنى عاقل لأي شعب أن يواجهها.
السؤال لماذا أمام كل تلك الحقائق، يقف الإعلام العالمي مترددًا أمام عنف الدولة الإيرانية في الوقت الذي يضج بالصراخ محقًا على أحداث إرهاب شخصية، ربما أن هؤلاء المقتولين لا يمثلون، شيئًا يذكر! ولكن الواقع المرير في سلسلة الإعدامات في إيران التي أصبحت مكونًا أساسيًا من مكونات الدولة، وقد بدأت تصل إلى قضم رجال كانوا قد مروا على المؤسسات الرسمية من الموظفين، كبارًا أو صغارًا، ولا يستبعد، والأمور ذاهبة إلى العسرة الاقتصادية والسياسية، أن تتوسع الإعدامات لتطال شخصيات في الحكم السابق أو الحالي، فالصراع في إيران قد أخذ منعطفًا صعبًا، فلا يوجد أي انفراج اقتصادي كما وُعد ولا يوجد أي نجاح للسياسات الخارجية، رغم الأموال الطائلة التي صرفت عليها والأرواح التي ضحي بها، وعلى العالم أن يستعد لسماع أخبار غير سارة والنظر إلى عدد أكبر من الجثث معلقة على أطراف الرافعات، لأن النظام الإيراني بشكله الحالي، مهما تغطى بشعارات آيديولوجية أو قومية، لا يملك استراتيجية للبقاء طويلاً، إلا كما يعتقد باستخدام العنف المفرط، وهو الطريق الذي سلكه الشاه في وقت ما، وأنتج ما نعرف!
آخر الكلام:
الإعدام قد يكون أيضًا معنويًا في إيران، كما حدث لكثيرين كانوا على رأس السلطة وأشهرهم اليوم خاتمي وموسوي وكروبي وأبطحي، وغيرهم المهددون في أي لحظة أن يلقوا مصير صادق قطب زادة وزير الخارجية الأسبق (رفيق الخميني في منفاه في باريس) الذي أعدم!
أضف تعليق