ليس غريبا أن يتسبب انخفاض أسعار النفط في زيادة رسوم الخدمات الحكومية، وهي زيادة عادة ما تؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع، ولكن المواطن في هكذا حالة يتحول إلى (بني آدم) من شحم ولحم ورسوم، بحيث تصبح الرسوم جزءا من تركيبته الجسدية فتحتاج بالتالي إلى مراقبة طبية دقيقة، بحيث لا يطغى عليها شحم الأسواق فيسد شريان الحياة ولا يصاب لحم الخدمات بالضمور التدريجي فتفقد الأطراف قدرتها الطبيعية على الحركة.
زيادة الرسوم على الخدمات تستوجب التزاما واضحا من الجهات والمؤسسات الحكومية التي تقدم هذه الخدمات للمواطن والمقيم بأن ترفع مستوى أدائها إلى المستوى الذي لا يأسف فيه متلقي الخدمة على اقتطاع كلفتها من لحمه الحي، وعلى الضفة الأخرى فإن العدل هنا لا يتوافق مع المساواة.. حيث لا يمكن أن يتساوى أو يتقارب ما يدفعه الموظف البسيط مع ما يدفعه البنك والمصنع والمجمع التجاري.. هذا لا يتساوى مع ذاك في الاستفادة من الخدمات الأساسية.. إنه الفارق الكبير بين من يدفع رسوم تسجيل سيارته الوحيدة (المستعملة) وبين من يدفع رسوم السيارة العاشرة.. المساواة هنا تعني دخول الشحم في اللحم واندماج البنكرياس في الجيوب الأنفية، ما يؤدي إلى انبعاج في السرة وانطفاء في المخيخ الأعسر!.
هذا التشخيص الطبي ليس من خيالي، بل هو محصلة تراكم عند حكماء الزمان وأطباء العصر وشيوخ الرقية الشرعية وخبراء الكي والحجامة، مسألة لا تحتاج إلى تفكير عميق، فالحياة بأسرها قائمة على لحظة التوازن، وقديما قال أجدادنا الأولون (الجود من الموجود).. لذلك فإن زيادة رسوم بعض الخدمات الحكومية يجب أن تكون متزامنة مع برامج (ولا أقول أنظمة لأنها أكثر من الهم على القلب) صارمة لضبط الإنفاق ومواجهة الهدر المالي والتصدي للفساد ونفض الغبار عن طرق تحصيل الزكاة وتوجيه دفاتر الرسوم إلى الجيوب الكبيرة ذات الأرباح المليارية شركات كانوا أو أفرادا قبل توجيهها إلى الجيوب الصغيرة التي تعودت أن تعيش أيامها على الحافة مع وجود إعفاءات منطقية لأصحاب الجيوب المثقوبة التي وجدت نفسها تعيش تحت الحافة ولن تكون قادرة على تحمل المزيد من الأعباء؛ لأن بنكرياسها قد اندمج بجيوبها الأنفية وانتهى الأمر!.
أضف تعليق