شيوع الخطأ في وسائل الإعلام وبين الكُتّاب ليس جديدا، الجديد والغريب أنهم يستخدمون الأسلوب الصحيح في عاميّتهم، وإذا أرادوا كتابته بالفصحى أخطأوا! ولعل من أسباب وقوع هذا الأمر الغريب دخول بعض الأساليب الخاطئة إلى الفصحى المعاصرة عن طريق الترجمة الحرفية، وبديلها مازال في العاميّة صحيحا بل و”على طرف الثمام” كما تقول العرب، حتى صار المثقفُ يعمد إلى بعض الأساليب الخاطئة ظناً منه بأنها فصيحة لشيوعها في وسائل الإعلام ولاعتياده عليها. ومن ذلك استعمالهم “من قِبَل” بعد فعلٍ مبني للمجهول، فيقولون: “وُقِعَ الكتابُ من قِبَل المدير” فيذكرون الفاعل “المدير” بعد بناء الفعل للمجهول، وهذا مخالف لأساليب العربية، فإما أن يُحذف الفاعل مع الفعل المبني للمجهول فيقال: وُقِعَ الكتابُ، وإما أن يُؤتى بالفعل المبني للمعلوم فيقال: وقّعَ المديرُ الكتابَ، وهم لا يستخدمون “من قِبَل” في عاميتهم بل يقولون: وقع المدير الكتاب/ المدير وقع الكتاب.. وهذا الصواب. ومن ذلك أيضا قولهم: “اعتنق الإسلام” وهذه ترجمة حرفية لأسلوب أجنبي لا تعرفه العربية، ويغني عنه استخدام الفعل الماضي “أسلم”، ولاحظ أنهم في العامية يقولون: “أسلم” وإذا تفاصحوا قالوا “اعتنق الإسلام”.
ومن الأخطاء المنتشرة في وسائل الإعلام وبين المثقفين استخدامهم كلمة “التواجد” بمعنى الوجود، والتواجد من “الوجْد” التي تعني الشغف والحب الشديد، ولم نسمع أحدا يقول في عاميّته: أنا متواجد، بل نسمع: أنا موجود، وهي الصواب. ومثلها “يتوجب” التي يستخدمونها بمعنى “يجب”، والتوجّب يعني أكل الوجبة ولا يعني الوجوب.
ومن الأساليب الضعيفة استخدامهم لأفعالٍ مساعدة لا تعرفها اللغة العربية، كقولهم: جاري عمل اللازم/ تم عمل اللازم.. وواضحٌ أن هذه ترجمة حرفية لأساليب غربيّة، ولعلها دخلت الفصحى المعاصرة من ترجمة أجهزة الحاسوب والهواتف التي جاءت بنحو: جاري التحميل، جاري الإرسال، تم إرسال الرسالة.. وقد انتشرت في لغة الكُتّاب ومكاتبات الموظفين حتى ألفوها واعتادوا عليها، والصواب أن يُستخدم الفعل المضارع مباشرة بلا “جاري”، والفعل الماضي بدلا من “تم”، فيقال بدلا من “جاري عمل اللازم”: نعمل اللازم.. أو سنعمل اللازم/ سوف نعمل اللازم.. إذا كان العمل في المستقبل، لأن “السين” إذا دخلت على الفعل المضارع دلَّ على وقوع الفعل في المستقبل القريب، و”سوف” تُخصصه للمستقبل البعيد. والأصوب في “تم” أن يقال: “عملنا اللازم” أو “عُمل اللازم”.. بدلا من “تمَّ عمل اللازم”، إلا إذا كان العملُ ناقصا ثم أُتمّوه. وقد أحسن (الواتساب) عندما استجاب لطلب “مجمع اللغة الافتراضي” السنة الماضية فاستبدل بـ “جاري الكتابة”: “يكتب”.
ومثل هذه أيضا قول المذيعين: “دعنا نأخذ فاصلا ثم نعود”، ولا داعي لاستخدام فعل الأمر “دع” الذي يعني “اترك” في مثل هذا المقام، والأفضل أن يُؤتى بلام الأمر مع الفعل المضارع فيقال: لنأخذْ فاصلا ثم نعود، أو بلا أمر: نأخذ/ سنأخذ فاصلا ثم نعود.. وقد علل الدكتور عبده الراجحي استخدام المذيعين للفعل “دع” فقال إنها دخيلة تقابل الفعل Let في اللغة الإنجليزية الذي يستخدم في أمر الغائب والمتكلم، فيقولون:
Let me go
Let us speak Arabic
ومن الخطأ أيضا قولهم “تعرّض فلانٌ لحادث”، والتعرّض لا يكون إلا بإرادة من الشخص، وهم في العامية يقولون: صار لفلان حادث، أو حصل له حادث، وهذا كله أصوب من “تعرّض”. وكذلك كلمة “الدهس” بمعنى الدعس، وإن كانت الدهس مولّدة وليست خطأ إلا أن الدعس هي الفصيحة التي تذكرها المعجمات وما زالت مستخدمة في لهجاتنا. ولك أن تتأمل قولهم متفاصحين: “توفي فلانٌ بعد تعرّضه لحادث دهسٍ أليم”، ولا هو “تعرّض”، والدعس أفصح من الدهس، وكل حادث يقتل أليم! ولأنهم يتكلّفون الفصحى تكلّفاً جاءوا بمثل هذه الأساليب ليخالفوا بها العاميّة فقط مع أن العاميّة تفوقها في الصواب!
وانظروا مثلا في كلمة “القابلة” ومعناها: الليلة التي بعد ليلتك التي أنت فيها، هذه الكلمة مستخدمة في العامية ولا تدور في فصحى الإعلام، فيقولون في البرامج: نراكم ليلة غد، أو مساء غد، وهذه ليست خطأ ولكن “القابلة” أخصر منها وفصيحة، ولم يهجروها في الفصحى إلا لأنها دارجة في العامية، ولا يضرّها ذلك.
وهذه المقارنة ليست لتلميع العاميّة، بل لأخذ اللغة السليمة وإن ظُن بها غير ذلك وترك الخطأ وإن كان رائجا مشهورا، فالواجب على المثقف والمذيع والكاتب أن يتحرّى الصواب في لغته، وأن يحيي معجمه اللغوي بكثرة القراءة في المعجمات وكتب الأدب، وألّا يثق في الأساليب الدارجة في الصحف وفي وسائل الإعلام، وألّا يتساهل في الخطأ معتذرا بأنه غير متخصص! فهذه لغته الأم وبها يتمايز المثقفون.
كثرة عتاب المثقفين للمجتمع ودعوتهم للكلام بالفصحى جعل الناس يصيبهم يأس حتى ظن الكثير منهم أن العامية ليس فيها شيء من الفصاحة.
لكن نشر مثل هذا الكلام يحبب الناس للغة العربية ويصحح لهم بعض المفاهيم .
بحكم انشغالي بالترجمة مؤخراً، أجدني اتفق معك في كثير مما ذكرت ، هناك تعبير بالذات يستدعي تندري ، طالما،
الا و هو “يلعب “كيت” دور” ، فهو منسوخ نسخاً حرفياً من التعبير الانلجيزي “played a role” ، وكلمة يلعب في العربية لا تدل
على معنى الأداء قط على الحقيقة، إنما نقل الغعل على المجاز، ولا ارى في نقل معنى على المجاز من طائل،
على أية حال ، أجدني غير متحفظ كثيراً على نقل الفاظ او تعابير حرفية من لغات أجنبية ان لم
يكن في العربية ما يقابل تماماً أو يؤدي المعنى باسلوب مختلف ، فكما تعلم ، كل لسان بانسان .. او كما قيل.
صدقت، (لعب دورا) ترجمة حرفية كما تفضلت، ويغني عنها: كان له أثر / يؤدي دورا ..
شكرا على هذا الموضوع المهم جدا،وياليت لو أن تراجع صيغ النخاطبات،والنماذج المحفوظه في الجهات الرسميه،والمخصصه للتبادل الرسمي .فمنها مايو مكتوب فيه (دمغه )أي ملصق تحصيل الرسم. أو الطابع
موضوع مهم وضروري. وخصوصا فى مجال المخاطبات والكتب الرسميه،تحتاج ملاحظه.وتدقيق
روووووووووعة جزاكمُ الله خير الجزاء..
مقال راااااائع
مقال رائع