المقال الثالث ضمن سلسلة مقالات يكتبها الزميل مبارك الجري تتناول “مراجعات راشد الغنوشي” وسوف تنشر تباعاً في ((سبر))
بعد إتضاح موقع الإسلام المهمش في الفكر القومي المتمركس ، قرر الشيخ راشد الغنوشي أن ينهي إرتباطه الحركي بالقومية العربية . و انتقل بعد ذلك إلى مرحلة جديدة مختلفة تماماً وهي : التحول من القومية العلمانية و الإسلام التقليدي إلى الإسلام الأصلي ( كما يصفها الغنوشي ) ، أي الانتقال من إسلام صنعه التاريخ و التقاليد إلى إسلام مرتكز على الوحي له منهج حضاري و نظام للحياة .
وبتقديرنا أن الانتقال أو التحول من فكرة إلى أخرى لا يعني نسف كل ما سبق ؛ لأن قضية النهوض العربي لم يختلف عليها الغنوشي، بل إختلافه كان على علمنة تلك القضية و إقصاء الدور الإسلامي منها.
و قد حاول الغنوشي بجانب عدد من الشباب السوريين – الذين كانوا ينتمون إلى التيار القومي – البحث عن البديل الذي يمكنه أن يقدم حلول لإشكالية الواقع العربي آنذاك . و التقى الغنوشي في هذه المرحلة بعدة تيارات إسلامية ، كالإخوان المسلمين و عناصر من حزب التحرير ، وبعدد من مشايخ الدين مثل الشيخ محمد ناصر الدين الألباني و حسن حبنكة الميداني رحمهما الله . ويمكن إعتبار هذه المرحلة مدخلاً أساسياً لبداية التأثر بالأفكار التي يطرحها التيار الإسلامي في ذلك الوقت .
بعد إنشقاق الغنوشي من التيار القومي ( قبل نكسة 1967م بعدة شهور ) لم ينتسب إلى أي تيار أو تنظيم إسلامي في سوريا كما ذكر البعض ، و لكنه اطلع على إطروحات الفكر الإسلامي الحديث ، مثل كتابات محمد إقبال ، و الندوي ، و أبو الأعلى المودودي ، و حسن البنا ، و مالك بن نبي ، و سيد قطب ، و مصطفى السباعي ، فضلاً عن حضوره لعدة حلقات دينية متنوعة من بينها حلقة الشيخ الألباني رحمه الله . وهناك سببين رئيسيين منعا الغنوشي من الإنتساب لأي تيار إسلامي في سوريا ، الأول : عدم الاستقرار في سوريا و استئناف فكرة التنظيم حتى العودة إلى تونس ، والثاني : أن الإلتزام التنظيمي لم يكن مناسباً لطبيعة تونس السياسية و الاجتماعية و الثقافية التي تختلف عن بقية الدول العربية .
وأعتقد أنه لولا انتساب الغنوشي للتيار الناصري و تبنيه للأفكار القومية في بداية تبلور خطه الفكري ، لما عرفناه في هذا الوقت . و أعني بذلك أن الإطلاع على أي فكر سياسي والتأثر به لا يعني على الإطلاق الإيمان به ، لأن التشكيل أو البناء الفكري يمر بعدة مراحل ومراجعات ، و يتأثر بطبيعة الواقع ، فالشعارات الرنانة ليست بالضرورة دليل على صدقها و صدق مركزها الفكري . وليس صحيحاً أن عملية المراجعة الفكرية الدائمة عملية سلبية و تدل على الضعف الفكري ، وإلا كيف يتعلم أي شخص من أخطاء تجربته؟
للإطلاع على المقالين السابقين التي تتناول (مراجعات راشد الغنوشي) على الروابط التالية:
مصر و القومية (1)
سوريا (2)
تلميع للاخوان وتيارهم المتسلق لو حدس نفعتك ككويتي كان نفع الغنوشي تونس كلهم مرتزقة