بمزيج بين الـ”هيب هوب” والـ”ريقي” والموسيقي الإفريقية الحديثة، أطلق مجموعة من الفنانين الشباب في جنوب السودان الأوبريت الغنائي “أنا تابان” (أنا تعبان)، كنداء احتجاجي يطالب بوقف الحرب التي تجددت مؤخرًا في البلاد
الأوبريت تم تأليفه باستخدام لهجة “عربي جوبا”، التي يصنفها اللغويون أنها لهجة هجينة تكونت من امتزاج اللغات الإفريقية المحلية واللغة العربية في جنوب السودان منذ القرن التاسع عشر، وتحمل الأغنية رسالة واحدة مفادها “لقد تعبنا من الحرب والموت والنزوح”.
وتعتمد موسيقى الـ”ريقي” أو “ريغي” الإفريقية على توظيف الإيقاعات المحلية في الأغنية الحديثة، واشتهر بها بوب مارلي وبعض المغنيين الأفارقة والأثيوبيين، وقد ظهرت خلال ستينيات القرن المنصرم.
أما “هيب هوب” فهو أحد أنواع الغناء والموسيقى والثقافة التي انطلقت في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1970 وامتدت إلى باقي الدول، ويعتمد على فن تحريك الأقراص الموسيقية والتلاعب بها، والرقص على الموسيقى الصاخبة، والغناء السريع لكلمات مقفّاة تعالج عدد من الموضوعات.
المجموعة الفنية المؤدية للأغنية تضم كل من “اياك تاهيك”، و”كوزوس كلان”، و”لوال دي أوول”، و”ناتي بي”، و”مناسا مثيانق”، و”توتو بايبي”، و”مستر لينغز”، و”لو مريكسون”، و”راس كايني”، وهم من مشاهير الفن المعروفين في جنوب السودان.
الفنان مستر لينغز، منسق حملة “أنا تابان” قال للأناضول إن ما قاموا به كفنانين هو محاولة “للاحتجاج ولفت نظر جميع الأطراف المتصارعة في جنوب السودان لكي ينتبهوا لمعاناة الشعب”، مضيفًا: “المواطنون تعبوا من هذا العبث والموت، لذلك أطلقنا هذه الحملة التي نريد أن نقول من خلالها أننا نريد أن نعيش في سلام”.
جهد هؤلاء الشباب لم يقف فقط عند تنفيذ الأوبريت الغنائي وعرضه للجمهور، بل حرصوا على نشر فكرتهم على نطاق أوسع فقاموا بتوزيع الأغنية على جميع الإذاعات المحلية في العاصمة جوبا ومختلف ولايات جنوب السودان، وعددها يفوق الـ 30 محطة إف إم، مما جعلها الأغنية الأكثر انتشارًا لاعتمادها لغة الشارع البسيطة وتستصحب مزيجًا إيقاعيًا متنوعًا.
وعن سبب انضمامه للحملة، قال مغني الراب “لوال دي أوول” للأناضول: “انضممت للحملة لإيصال صوت المواطن المغلوب على أمره للمعنيين بأمره وللإنسانية كلها، هذه الحملة تمثل منبرًا للناس العاديين للفت الانتباه لما يعانونه يوميًا، نحن نقدم النصائح عبر الموسيقى والغناء، إننا نريد سلامًا في بلادنا، ولا شيئا آخر، فقط السلام”.
وبجانب كلماتها التي تحوي حثًا على السلام، فإن “أنا تابان” أغنية تطالب أيضًا بنبذ القبلية والكراهية والعنصرية، وتنتقد استشراء المحسوبية والفساد، باعتبارها جزءًا من المسببات التي أدت إلى تفاقم الحرب وغياب فرص المصالحة بين مجتمعات جنوب السودان، كما تنادي كلمات الأغنية بالوحدة بين مكونات الوطن الواحد.
ويشارك في الحملة “مناسا مثيانق”، الفنان الحائز على العديد من الجوائز والناشط في قضايا السلام بجنوب السودان، قائلًا للأناضول: “مشاركتي تنبع من إيماني بأن الكراهية تعمي، بينما الحب هو الذي يوحد ويجمع بين الناس، لدي رسالة واحدة للجميع تتلخص في الدعوة للوقوف موحدين من أجل السلام”.
ولم يكن أوبريت “أنا تابان” المبادرة الأولى التي تشهدها جنوب السودان لوقف الحرب مؤخرًا، فقد سبقها العديد من المبادرات الداعية للسلام قادها فنانون ومبدعون، حيث أقيمت عدة معارض تشكيلية بغرض تشجيع ثقافة السلام، كما أطلق الشاعر “اكول ميان كوال” حملة للتعايش حملت اسم آخر دواوينه الشعرية “القطار الأخير”، ولاقت تجاوبًا كبيرًا في الشارع الجنوبي.
وتجاوز عدد اللاجئين من دولة جنوب السودان الذين فروا لدول الجوار هربا من الصراع المسلح في البلاد، المليون لاجئ، حسبما أعلنت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
وبحسب تقرير الأمم المتحدة، فإن أوغندا تعتبر المستضيف الأكبر للاجئين القادمين من جنوب السودان، الذين يبلغ عددهم على أراضيها 373 ألف و626 لاجئ.
وذكر التقرير أن ثلث اللاجئين في أوغندا وصلوا بعد المواجهات المسلحة التي شهدتها العاصمة جوبا في يوليو/ تموز الماضي، بين قوات حكومية والمعارضة المسلحة بزعامة، ريك مشار.
وأشار أن اضطراب الأوضاع ونقص الغذاء في إقليم أعالي النيل، أقصى شرقي جنوب السودان، دفع حوالي 11 ألف مواطن بينهم 500 طفل من دون مرافق، إلى العبور لإقليم “قمبيلا” غربي إثيوبيا المجاورة.
ولفت التقرير الأممي، أن 247 ألف و317 لاجئ من شمالي بحر الغزال، ومناطق واراب، شمالي غرب جنوب السودان، عبروا إلى السودان بسبب نقص الغذاء، ويتواجد معظمهم في مناطق دارفور، غربي البلاد.
وناشدت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، المانحين بمساعدتها لمقابلة ارتفاع عدد اللاجئين من دولة جنوب السودان، التي لا تزال تشهد اضطرابات في أجزاء متفرقة منها، مشيرةً أنها تحتاج إلى مبلغ 701 مليون دولار أمريكي، حصلت منه إلى الآن على 20% فقط.
واندلعت الحرب مجددًا في جنوب السودان بين القوات الحكومية والمعارضة المسلحة، منتصف ديسمبر/كانون أول 2013، قبل أن توقع أطراف النزاع اتفاق سلام في أغسطس/آب 2015، قضى بتشكيل حكومة وحدة وطنية، وهو ما تحقق بالفعل في 28 أبريل/نيسان 2016.
غير أن اتفاق السلام الهش تعرض لانتكاسة عندما عاودت القوات الموالية لرئيس جنوب السودان، سلفاكير، ونائبة السابق ريك مشار الاقتتال بالعاصمة جوبا في 8 يوليو/ تموز الماضي، ما أسفر عن مقتل ما يزيد عن 200 شخص بينهم مدنيون، إضافة إلى تشريد حوالي 36 ألف مواطن.
أضف تعليق