قانون “العدالة ضد الدول الداعمة للإرهاب” والذي اشتهر بمختصره الانجليزي “جاستا”، تصدى له المتصدون، وكتب ضده الكتاب، وتنافح في وجهه المعلقون والمحللون: مؤامرة، ابتزاز، إرهاب بحد ذاته، ليس فيه من العدل سوى اسمه،،، الخ.
ولا شك بأن القانون موجه ضد المملكة العربية السعودية ودول الخليج بالدرجة الأولى وإن كانت له تداعيات دولية لاحقا في حال تفعيله ضد دول مثل روسيا أو باكستان أو الصين وغيرها. وهو انعكاس للانقلاب الجيوستراتيجي بالمنطقة، وتحول الولايات المتحدة الأمريكية من حليف لنا إلى حليف لإيران التي تتمدد بالدم بالمنطقة العربية. ولكن التساؤلات التالية طرحت نفسها قبل “جاستا” وبعده:
هل منعنا جاستا من العمل المخلص الدؤوب على الاتحاد الكونفدرالي الخليجي؟ وهل أمرنا بدول الخليج ألا نفعل قرارات أصحاب الجلالة والسمو –قادة دول المجلس- بخلق سوق خليجية مشتركة؟ وما دخل جاستا بموت مشروع جسر المحبة بين البحرين وقطر؟ وما الدور الذي لعبه جاستا بإجهاض الجسر الذي أعلن عنه بين الدوحة وأبو ظبي؟ وهل كان جاستا وراء تلاشي فكرة العملة الخليجية المشتركة؟ أو كان له اصبع في الخلاف حول موقع البنك الخليجي المركزي؟ وهل عمل جاستا على تفكيك فكرة الجيش الخليجي الموحد التي أطلقها السلطان قابوس بعد تحرير الكويت عام 1991؟ وما ذنب جاستا إذا كان هناك تخلف بيروقراطي وعرقلة حدودية بين دول المجلس؟ وما هو الدور الذي لعبه جاستا في الهوة بين مواقف دول المجلس من القضايا الاقليمية –سواء العلاقة مع إيران أو التطورات باليمن أو سوريا والعراق؟ وهل يمكننا أن نتهم جاستا بأنه وراء تلكؤنا بإنقاذ اليمن بمشروع “مارشال خليجي” يقي الشباب اليمني من الوقوع في هاوية القاعدة أو جحيم الحوثيين؟ وكان يمكن أن يردع إيران ويقينا الاضطرار للجوء للحرب للتخلص من الحوثيين؟ ترى! هل لجاستا ضلع في هوامش الحريات وحقوق الإنسان وتفعيل دور الشباب الخليجي بدول المجلس للمساهمة برسم مستقبل المنطقة؟
هذه بعض المسائل والتساؤلات التي طرحها ولايزال المخلصون من أبناء مجلس التعاون قبل صدور جاستا، وهي تساؤلات لا تزال تفرض نفسها ويفرضها الواقع الخليجي، أما بعد صدور جاستا فثمة تساؤلات جديدة:
هل أخفقنا بقراءة التحولات الجيوستراتيجية بالمنطقة التي أدت إلى ولادة جاستا؟ أم أننا كنا ندركها ونتفرج على تطوراتها؟ وهل منعنا جاستا بعد صدوره من التنادي لعقد قمة خليجية أو اجتماع المجلس الوزاري لوزراء الخارجية لبحث الخيارات وتوحيد السياسات؟
معروف أن قانون جاستا في جوهره قانون ابتزاز مالي يقوده “لوبي” دور المحاماة الكبيرة بالولايات المتحدة الأمريكية، فلماذا لم يجتمع وزراء مالية دول المجلس حتى اللحظة –على الأقل- لتوحيد النظرة المستقبلية وقراءة في توقعات الإجراءات وخطط بديلة في حال صدور أحكام قضائية أمريكية بتجميد الاستثمارات الخليجية عموما- والسعودية تحديدا- أو مصادرتها؟
وماذا عن وزراء التربية بدول المجلس؟ فلدينا بالولايات المتحدة الأمريكية حوالي مائتي ألف دارس خليجي، ولنفترض أن أحدهم أو اكثر ارتكب جريمة ما لأي سبب كان، سيتحول إعلاميا هناك إلى “إرهابي” بغض النظر عن دوافعه، وقد تدان دولته التي أرسلته و”رعته” وتدفع له معاشا شهريا ينزل بحاسبه المصرفي شهريا مما قد يفسر ظرفيا بأنها شجعته ودعمته لارتكاب جريمته، فهلا اجتمع وزراء التربية بدول الخليج لبحث الاجراءات التي يمكن أن تتخذ جماعيا في حالات الطلبة الدارسين؟
وماذا عن اجتماع طاريء لوزراء دفاع المجلس ينسق المواقف تجاه برامج التلسيح، تلك “الدجاجة التي تبيض ذهبا”.
التساؤلات التي طرحها جاستا قبل صدوره وبعد صدوره تثبت بما لا مجال للشك فيه، أن العلة فينا قبل أن تكون بتآمر الآخرين، وتؤكد لنا ما هو مؤكد من أن الخلاص الوحيد بخلاص الجميع، وأن التحولات الكبرى بالمنطقة بحاجة لقرارات كبيرة ترقى لمستوى المرحلة وتضحي من أجل خلاصنا جميعا قبل أن نندم جميعا.
جاستا قانون بريء من حالتنا المهلهلة ووضعنا المتردد المتردي، وكأني به يقول لنفسه: “وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون”.
أضف تعليق