انتقدت صحيفة “ذا غارديان” البريطانية الصمت الشعبي في العالم لا سيما في أوروبا حيال ما يجري من مجازر في مدينة حلب شمالي سورية، محذرة من أن روسيا والنظام يعتمدان سياسة القتل والتدمير والتهجير ذاتها التي اتبعتها موسكو سابقاً في غروزني بالشيشان.
وتساءلت الكاتبة ناتالي نوغايريد، في افتتاحيتها اليوم السبت في الصحيفة، عن غياب التظاهرات الشعبية في العواصم الغربية تنديداً بـ”الهجوم الوحشي” على حلب، مشيرة إلى أن 300 ألف مدني يتعرّضون للقصف اليومي من قبل طيران النظام وروسيا.
وسألت الكاتبة بسخرية، “هل الطقس سيئ لدرجة أنّ أي أحد ليس مستعداً للوقوف في ساحة ما أو أمام السفارة الروسية”؟ مضيفة “وهل يهتم أي أحد أصلاً أو يعتقد أنّ التظاهر يحدث فرقاً”؟
وتجيب نوغايريد على تساؤلها في المقال بالقول، إنّه “من الممكن أننا أصبحنا مخدرين أمام سلسلة الأخبار المرعبة الآتية من سورية، بما فيها مقتل 100 طفل فقط الأسبوع الماضي في حلب جراء الغارات. ومن الممكن أنّ الملف السوري ملف معقد”، مستدركة بالقول “أين التعقيد في المطالبة بحماية المدنيين وشجب أولئك الذين يلقون بحممهم على الأحياء السكنية والمستشفيات”؟
وتشير الكاتبة إلى أنّ لندن، على سبيل المثال، شهدت تظاهرات مرتبطة بأحداث خارجية خلال الأشهر الماضية، لكن لم تكن واحدة من ضمنها عن حصار وتدمير حلب.
ولفتت إلى أنّ تجمعاً حصل أمام السفارة الفرنسية للاستهزاء بحظر البوركيني على شاطئ ريفييرا في فرنسا، في حين تجمع البعض الشهر الماضي دعماً للاجئين، فيما في المقابل لم ينظم أي تحرك حول سورية.
وذكّرت الكاتبة بأنّ الأمر ذاته ينطبق على باريس، وبرلين، ومدريد، وروما، في حين أنّ بروكسل، وللأمانة، شهدت تحرّكاً الثلاثاء الماضي تحت عنوان “أنقذوا حلب”.
إلا أنّ الكاتبة لفتت إلى أنّ هذه التحرّكات بقيت مقتصرة على مشاركات محدودة ومن قبل مجموعات من المعارضين السوريين المنفيين أو ناشطي حقوق الإنسان، في حين أنّ الشوارع لم تشهد “تعبئة شعبية” كتلك التي شهدتها في حروب أخرى مثل حرب العراق 2003، أو حرب غزة.
وكذلك، بحسب الكاتبة، لم يظهر فنانون، وقادة نقابيون، ومفكرون وسياسيون، ممن حثوا على تنظيم تحركات مناهضة للحروب، أي عزم على التحشيد من أجل الدعوة لوضع حد لـ”المذبحة” في سورية.
وأقرّت نوغايريد، وهي متخصصة الشؤون الخارجية في “ذا غارديان”، بأنّ عدداً من الحكومات تنتقد روسيا وبشار الأسد، وأنّ الأمم المتحدة وعدداً من الدبلوماسيين قارنوا ما يجري في حلب بما حصل في مجزرة سربيرنيتسا، لكنّها تساءلت “وهل البيانات والتصريحات الرسمية تعبر عن الغضب الشعبي؟ وألا تستحق القيم الإنسانية وقفة في وجه المجازر أو تعبيراً عن التضامن”.
وتابعت الكاتبة تساؤلاتها بالقول “أم أننا أصبحنا فعلاً نتمرغ في محيط سياسة “ما بعد الحقيقة” حيث بروباغندا روسيا والنظام جعلتنا نشك بأنهما يخرقان القانون الدولي؟ أم أننا صدقنا أن القصف اليومي يمكن فهمه على أنه مكافحة للإرهاب؟ أم أنّ بإمكانهما السيطرة على حلب بسرعة وهدوء تام”؟
ودعت الكاتبة القرّاء للعودة إلى ما جرى في غروزني في الشيشان في شتاء 1999 و2000، لفهم ما يجري حالياً في حلب، مذكّرة بأنّ موسكو تعتمد في حلب ذات الاستراتيجية التي اعتمدتها عندما طردت 7000 من المتمردين في غروزني، التي كان يقطنها آنذاك 250 ألف مدني، لتحويل المنطقة إلى غياهب النسيان.
كما ذكّرت بأن القصف اليومي على غروزني هدف إلى إخلاء المدينة من سكانها، إما بقتلهم أو إجبارهم على التحول إلى لاجئين، مشيرة إلى أنّ الجيش الروسي وعد كذلك بـ “ممرات آمنة” إلا أنّ أياً من هذه الوعود لم يتم الوفاء بها.
وأشارت إلى أنّ غروزني تم تطويقها، بعدما سويت المدينة تقريباً في الأرض، في وقت حوصر 50 ألفاً داخلها، وتركوا يعانون البرد والجوع في الأقبية والأنفاق.
ورأت نوغايريد أن روسيا والنظام يستعملان ذات الأسلوب الآن في حلب، وفي حين أنّ تصريحات تتكرر في الغرب بأنّ لا حل عسكرياً في سورية، فإنّ هذا الحل هو هدف موسكو والأسد عبر قتل المدنيين وخلق الفراغ من أجل دعوتهما بعد ذلك إلى ما يسميانها بـ”التهدئة”.
واعترفت الكاتبة بأنّ التظاهرات في لندن أو باريس لن توقف الطغاة، لكنّها رأت أنّها على الأقل قد تخفف من “الشعور بالعار” في المستقبل، مشيرة إلى أنّ لندن شهدت في العام 2000 تظاهرات تنديداً بـ “مذبحة روسيا في الشيشان” وكان حينها زعيم حزب العمال جيرمي كوربن في صفوفها.
ولفتت إلى أنّ كوربن وآخرين غيره بإمكانهم الأحد فعل الشيء ذاته من أجل المدنيين في سورية، خاتمة بالسؤال “لكن لماذا لا يفعلون ذلك”؟
أضف تعليق