مثلما أن هناك اعتقادا خاطئا في أن جباية الأموال من المواطنين تعتبر مدخلاً للإصلاح الاقتصادي، فإن هناك اعتقادا آخر لا يختلف في الخطأ يتمثل في أن بديل الجباية من المواطنين هو رفع رسوم السلع والخدمات على الوافدين.
ورغم أن الإصلاح الاقتصادي بمفاهيمه أشمل بكثير من مجرد رفع رسوم أو خدمات أو جباية أموال، فإنه يمكن رصد حالة من الاستهداف لمعيشة الوافدين في الكويت بشكل قد ينعكس بآثاره المباشرة أو غير المباشرة على المواطنين والاقتصاد والتركيبة السكانية، وغيرها.
كيف؟
لا شك في أن رفع أسعار الكهرباء والماء في مختلف القطاعات عدا “السكن الخاص”، وخصوصا الاستثماري والتجاري بنسب تتراوح بين 250 إلى 1100 في المئة، مقارنة بالأسعار الحالية، من شأنه أن يحدث اختلالاً في مداخيل الأسر والأفراد غير الكويتيين، وبالتالي ينعكس سلباً على الكويتيين الذين يعتمدون بشكل أساسي على الخدمات التي يقدمها الوافدون في السوق كعمال الإنشاءات والبناء والنقل وتجار الملابس والأغذية وعدد كبير من السلع.
بشكل أدق، سيحمّل أصحاب الدخل المتحرك “الوافدون” الذين يرتبط معظمهم بأعمال حرة صغيرة كانت أم كبيرة، جانباً مهماً من ارتفاع أسعار الكهرباء والماء، فضلاً عن أسعار البنزين، على أصحاب الدخل الثابت “المواطنين”، أي الموظفين في القطاعين العام والخاص، وبالتالي فإن الضغوط التضخمية ستصيب السوق كله دون أن تعرف الفرق بين مواطن ووافد، ويكون الحديث “السياسي” عن عدم المساس بجيب المواطن خالياً من أي معنى.
بدل السكن
ولعل ما صدر الأسبوع الماضي من مجلس الخدمة المدنية بشأن تخفيض قيمة بدل السكن الممنوح للمعلمين الوافدين في وزارة التربية لتصبح 60 ديناراً بدلاً من 150 يصب في نفس اتجاه استهداف الوافدين، مع أن النتائج المستقبلية ستنعكس على المواطنين، إذ ركز القرار على أثر ترشيد الإنفاق في ميزانية الدولة، من دون اعتبار لجودة الخدمة التي يمكن أن يقدمها معلمون يرتضون بالرواتب المنخفضة، فضلاً عن أن مثل هذا القرار سيدعم سوق الدروس الخصوصية – التي سيتحمل المواطنون شريحة كبيرة منها- بكل آثارها السلبية على العملية التعليمية، وبالتالي لا يمكن تخيل مستوى التعليم، غير المرضي أصلاً، مع ضغوط جديدة على المعلمين الوافدين تتمثل في رفع أسعار الكهرباء والماء والبنزين وخفض بدل السكن، فضلاً عن آثار التضخم على السلع غير الأساسية في السوق.
الحديث عن التركيبة السكانية المختلة (31 في المئة مواطنون و69 في المئة وافدون) كان دائما أحد أوجه الإصلاح الاقتصادي في الكويت، إلا أنه يمكن القول إنه شتان ما بين تعديل التركيبة السكانية وبين ما يحدث حالياً من ضغط على الوافدين، يمكن أن تتحول نتائجه غير المباشرة إلى أزمة في مكونات التركيبة وتفاصيلها. فحسب بيانات الإدارة العامة للإحصاء لعام 2015 نجد أن في الكويت 1.46 مليون عامل وافد – مع احتساب 600 ألف عدد العمالة المنزلية – منهم 280 ألفاً من العزاب، أي بنسبة 19.3 في المئة من إجمالي عدد العاملين، وبالتالي فإن الإجراءات الخاصة بتحميل الوافدين عبء سداد فاتورة العجز المالي سينتج عنها مجتمع من العزاب ومحدودي الكفاءة بكل ما يحملاه من آثار اجتماعية وأمنية سلبية على المجتمع بشكل عام.
سلعة بسعرين
فكرة وجود سلعة بسعرين مختلفين، في حد ذاتها، غير عملية، وتحدث درجة عالية من الارتباك في السوق، وعندما نتحدث عن سلع جوهرية كالكهرباء والماء، فإن احتمالات الضغط على السكن الخاص المعفى من أي زيادة ستكون عالية، بل ستزيد التوقعات برفع أسعار إيجارات الشقق في السكن الخاص، لأنه المعفى من أي زيادة في أسعار الكهرباء والماء، مقارنة بتكاليف السكن في الشقق الاستثمارية، وبالتالي سيكون الضرر على الوافد بشكل مباشر والمواطن بشكل غير مباشر، نتيجة لنمو الطلب ولو بشكل محدود على إيجارات السكن الخاص… والأفضل هنا أن يتم التعامل مع “مستهلك” بغضّ النظر عن كونه مواطناً أو مقيماً.
مناطق وأغراض
ربما يتساءل البعض: أليس من الأجدر وضع رسوم أعلى للخدمات على المناطق الاستثمارية والتجارية والصناعية، لكونها تستهدف أغراضاً ربحية على عكس السكن الخاص؟
والجواب أنه بكل تأكيد يجب أن تكون هناك مستويات متفاوتة لأسعار الخدمات، وفق الاستخدام، لكن شتان ما بين رفع أسعار الكهرباء والماء على مجمع تجاري أو منطقة صناعية – مع أهمية ضرورة المنافسة أولاً في الحصول على الأراضي والرخص لكبح التضخم – وبين رفع الأسعار على ساكني المجمعات والشقق الاستثمارية التي يغلب عليها العمالة الفنية البسيطة والمتوسطة، إلى جانب أصحاب المهن كالمدرسين، مما يجعلهم يرفعون أسعار خدماتهم في السوق لتعويض التزاماتهم المالية الجديدة.
غير رشيدة
فكرة أن الدولة تريد أن تجعل من زيادات الكهرباء والماء والبنزين وغيرها أداة لسد العجز في الميزانية غير رشيدة، أولا: لأن هذه الزيادات في أقصى تشددها وإضرارها على المستهلك والسوق والتضخم مع ضمان أسعار نفط مستقرة فوق 50 دولاراً للبرميل، فإنها لا تغطي 35 في المئة من إجمالي العجز المتوقع عند 8 مليارات دينار، وثانياً: كون اللجوء إلى السلع والخدمات كأولوية للإصلاح الاقتصادي هو انحراف عن الإصلاح نفسه الذي يستوجب إعادة هيكلة الاقتصاد وسوق العمل والمشاريع وإطلاق المنافسة ومعالجة الإنفاق العام وتوجيهه بما يخدم أهداف الميزانية وليس بمنطق الإيرادات والمصروفات وما ينتج بينهما من فوائض وعجوزات، إذ إنها ليست عملية حسابية صرفة.
تعديل سعر أي سلعة أو اتخاذ أي إجراء مالي يجب أن يستهدف ترشيد الاستهلاك أو الإنفاق لا الجباية، لأن الأثر السلبي التضخمي في السوق غالباً سيتفاعل أكثر كلما زادت أسعار السلع الأولية بنسب عالية وغير مدروسة.
أضف تعليق