ثمن رئيس مجلس إدارة جمعية المحامين الكويتية ناصر الكريوين توجيهات سمو الأمير حفظه الله ورعاه في إعادة النظر في نطاق قانون البصمة الوراثية .
وقال الكريوين في تصريح صحفي :– يأتي التوجيه السامي من حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه إلى رئيس الوزراء بإعادة النظر في نطاق قانون البصمة الوراثية، بما يتفق مع المبادئ الدستورية، ويصون حق الخصوصية، تتويجاً للمساعي الحثيثة في هذا الشأن، وذلك باعتبار سموّه حفظه الله ورعاه أب السلطات الذي يرعى برؤيته الشاملة، وبصيرته النافذة تطبيق الدستور، وصون الحقوق الشخصية للأفراد من مواطنين ومقيمين على أرض الكويت، الأمر الذي يحتم إعادة النظر في هذا القانون الذي أثار جدلاً واسعاً على الساحة الفقهية والقضائية في الآونة الأخيرة.
وفضّاً للاشتباك حول مواده ونطاقه، قال الكريوين: بادئ ذي بدء، فإنني أثمّن غالياً التوجيه السامي من حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح ـ حفظه الله ورعاه ـ إلى رئيس الوزراء؛ ذلك أن الشرعية الدستورية تهدف إلى حماية الفرد ضد تحكّم السلطة؛ وذلك بضمان حقوقه وحرياته، انطلاقاً من أن الشرعية الدستورية تحكم القانون في عنصريه الشكلي والموضوعي؛ فمن حيث العنصر الشكلي تضمن هذه الشرعية تقيّد الدولة بالقانون، ومن حيث العنصر الموضوعي تكفل الشرعية الدستورية أن يكفل القانون توفير الضمانات للحقوق والحريات، ويضمن ذلك كلّه قضاءٌ دستوري يحمي مدلولها، ويكفل فاعليتها.
وبالنظر في القانون المقترح يتضح ـ بادئ ذي بدء مخالفته لعدد غير قليل من مواد الدستور الكويتي، والتي منها المواد (30 ، 31، 33 ، 29 ، 2 ، 70 )؛ فإذا أخذنا المادة رقم (30) من الدستور ـ على سبيل المثال ـ والتي تنص على أن: “الحرية الشخصية مكفولة”، سنجد المادة الرابعة من القانون المقترح تخالف تلك المادة بنصها على أنه “لا يجوز للأشخاص الخاضعين لأحكام هذا القانون الامتناع عن إعطاء العينة اللازمة لإجراء الفحص متى طلب منهم ذلك، و خلال الموعد المحدد لكل منهم”.
وأضاف: فإذا ما أضفنا إلى ذلك أن الحق في الحياة الخاصة يُعطى لصاحبه حق إضفاء طابع السرية على معلومات حياته الخاصة؛ فثمة مناطق لا يجوز النفاذ إليها، وينبغي دوماً ألا يقتحمها أحدٌ صوناً لحرمتها، ودفعاً لمحاولة التلصص عليها، أو اختلاس بعض جوانبها؛ وهو الأمر الذي يأتي متسقاً مع قرار المجلس الدستوري الفرنسي الصادر في 22 أبريل عام 1997، والذي أكّد على احترام الحق في الحياة الخاصة، حيث قرر أن احترام الحياة الخاصة يعد أحد العناصر أو المكونات التي تقوم عليها الحرية الشخصية، وأن الإنكار الخطير للحق في احترام الحياة الخاصة، سواءً بالنسبة للمواطنين أو الأجانب، يمثل اعتداءً على حريتهم الشخصية؛ هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، فإن المادة (29) من الدستور الكويتي تنص على أن: “الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة او الدين”؛ وبمناقشة مواد قانون البصمة الوراثية سوف نجدها تمس فطرة المساواة بين الناس؛ حيث سيكون من غير المتيسر تطبيق قانون البصمة على كل من يطأ أرض الكويت، الأمر الذي سيؤدي ـ بالضرورة ـ إلى عصف فكرة المساواة التي ينادي بها الدستور الكويتي.
كما أن تطبيق هذا القانون سوف يثير عدداً من التساؤلات حول جدلية جواز أخذ البصمة الوراثية من رعايا دول لا تجيز هذا الإجراء، وهل سينطبق ذلك أيضاً على ممثلي الوفود الدبلوماسية وغيرها من زائري دولة الكويت، ناهيك عن مخالفة ذلك كله لما جاء في نصوص المعاهدات الدولية التي أبرمتها دولة الكويت، والتي منها المادة (12) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي تنص على أنه لا يمكن إخضاع أي شخصٍ لتدخلات تعسّفية في حياته الخاصة، أو موطنه، أو مراسلاته، وأن كل إنسان له الحق في أن يحميه القانون ضد هذه التدخلات، كما تنص المادة (7) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أنه: “من المحظور، بصفة خاصة، إخضاع أي شخص دون رضاه الصريح للتجارب الطبية أو العلمية”.
وزاد : من زاوية أخرى، فإن ثمة عدداً من المشكلات التي سوف تواجه قانون البصمة الوراثية، والتي منها ـعلى سبيل المثال لا الحصر أن الاحتفاظ بالعينات يمسّ حق الإنسان في الاحتفاظ بخصوصياته، لا سيما الحرية المدنية منها، إضافة إلى أن نتائج الاعتماد على البصمة الوراثية قد أثارت الشكوك حول صحة نتائج تحليل DNA، واستخدامها كوسيلة قاطعة للإثبات في المحاكم.
وفي النهاية، فإننا نرى ضرورة أن يتم طرح القانون للمناقشة والتعديلات؛ وذلك تجنباً لصدوره بالمخالفة للدستور الكويتي، وحتى يخرج مواكباً ـفي نطاقه للتطلعات، وبما يتفق والمبادئ الدستورية، وصون الحقوق الشخصية للأفراد.
أضف تعليق