لا أعرف إن كان من محاسن الصدف أن أكون مشاركاً في المؤتمر الأول لوزراء التربية في الدول الإسلامية، الذي استضافته الدولة التونسية ونظمته “إسيسكو”.
قبل مغادرتي للمؤتمر نشرت مقالة حول مقاطعة الانتخابات، ومقولة اعتذار المقاطعين بعد مشاركتهم في الانتخابات البرلمانية الكويتية في ٢٦ نوفمبر. لم يكن بحسباني أنني سأكون شاهداً على حالة “سياسة اعتذار” أخرى في مؤتمر “إسيسكو”.
فالمؤتمر على أي حال كان تقليدياً، لم نكن نتوقع فيه مفاجآت، حتى جاءت اللحظة، واعتلى المنصة د. أياد مدني، الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي. بدأ بقوله إن كلمته ستكون قصيرة إلا أنها لم تكن كذلك. وحين توجه بالشكر إلى الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، الذي كان حاضراً، أضاف نقطة ليصبح “السيسي” فتلفت الناس، ظناً منهم أن الرئيس المصري قد حضر فجأة، وأن د. مدني قد تم إعلامه بالموضوع، إلا أن تلك الهنيهة لم تطل بنا، حتى اعتذر عن ذلك “الخطأ الفاحش”، وتبع ذلك على سبيل الدعابة مخاطباً الرئيس السبسي “أتمنى أن تكون ثلاجتكم بها غير الماء”، إشارة إلى كلمة مشهورة للرئيس السيسي أكد فيها أنه لم يكن في ثلاجته إلا الماء لأكثر من ١٠ سنين، كناية عن الكفاح في الحياة. تحولت مقولة “الثلاجة والماء” لواحدة من أعلى المقولات تداولاً على وسائل التواصل الاجتماعي. وبالطبع تم تداولها بأشكال وصور مختلفة، بعضها عادي وبعضها ساخر وبعضها غير لائق.
نحن في القاعة ربما تعاملنا مع الموضوع بشكل أكثر بساطة، حتى إن الوزير المصري علق لاحقاً عندما ألقى كلمته بما معناه أن الالتباس بين الاسمين هو دلالة على أن كلاً منهما ذو قيمة عالية.
ما إن غادرنا القاعة، التقيت د. مدني خارجها وكان حديثاً عابراً، لم نتطرق فيه لموضوع “النقطة”، حتى بدأت وسائل التواصل الاجتماعي تتفجر بالقضية الكبرى التي حدثت في تونس. وشيئاً فشيئاً تحولت المسألة إلى أزمة سياسية، واحتجت الخارجية المصرية، وأياً كان اتجاه التعليق، سواء كان مؤيداً أو معارضاً، فقد كان الاندفاع باتجاه نظرية المؤامرة واضحاً، انطلاقاً من أن المسألة مقصودة، وأن وراءها ما وراءها. مع ظني أن المسألة كانت أبسط، حيث أعلن أياد مدني اعتذاره لنزع فتيل أزمة لم يكن ينبغي لها أن تصل إلى ما وصلت اليه.
ربما يكون د. مدني قد أخطأ، وربما أنه لم يكن قد قدر بأن مقولة الثلاجة قد بلغت حساسية مفرطة، ولكن من الواضح أننا مرهقون جداً، ومتعبون جداً، وقلقون جداً، ومتوترون جداً.
التداخل بالحروف والكلمات باللغة العربية كبير جداً، وقد يؤدي الخطأ فيها أو الالتباس حولها إلى تغيير في المعنى والمبنى، وهناك كلمات من الصعب التطرق لها في الصحيفة. ولنأخذ مثلاً بريئاً لكلمات مثل سورية وروسيا وسويسرا، تحتوي ذات الحروف، ولكن بترتيب مختلف، حدثت بسببها مواقف محرجة قد نذكرها لاحقاً، وغيرها من الأمثلة كثير.
المفارقة هي أن القليل من الناس اهتم لعقد مؤتمر وزراء التربية في تونس، وربما القليل من الناس قد اهتموا لوضع التربية المتدهور في العالم العربي والإسلامي. فكان أن لفت المؤتمر انتباههم بسبب نقطة زائدة.
أضف تعليق