تكافح الحكومة اليمنية للحفاظ على اقتصاد اليمن من مخاطر الانهيار الشامل جراء الانقلاب الى جانب معركتها في استكمال استعادة الدولة المختطفة من مليشيا الحوثي وصالح الانقلابية للحفاظ على الاقتصاد الوطني من مخاطر الانهيار الشامل الذي ينذر بتداعيات كارثية على حياة ومعيشة 26 مليون يمني.
وتسبب الانقلاب الذي نفذته مليشيا الحوثي وصالح على السلطة الشرعية بقوة السلاح أوائل العام الماضي وسيطرتها على مؤسسات الدولة وشن حروب ضد اليمنيين في مختلف المناطق والعبث بالموارد العامة في تدهور أوضاع البلد الاقتصادية والاجتماعية تدهورا شديدا وهو ما تحاول الحكومة من خلال تنفيذ إجراءات تلافي المصير الكارثي جراء استمرار هذا التدهور.
وفي هذا الإطار أصدر الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في 18 سبتمبر الماضي قرارا جمهوريا بنقل البنك المركزي اليمني الى العاصمة المؤقتة عدن وتغيير مجلس ادارته في خطوة إنقاذية من استمرار تبديد وهدر المليشيا الانقلابية للاحتياطي النقدي وتسخيرها لتمويل حربها ضد اليمنيين مستغلة تواجد إدارة البنك في العاصمة صنعاء التي لازالت تحت سيطرتها.
وبحسب بيانات حكومية فان احتياطي البلاد من النقد الأجنبي تراجع من 2ر5 مليار دولار عشية اجتياح الحوثيين للعاصمة صنعاء قبل عامين ليصل الى اقل من 700 مليون دولار في أغسطس الماضي وهي ما تبقى من الوديعة السعودية البالغة مليار دولار.
ويرى اقتصاديون ان نقل البنك المركزي اليمني وتولي الحكومة الشرعية المدعومة إقليميا ودوليا إدارة الملف الاقتصادي سيسهم في تفادي مخاطر الانهيار المؤكد للاقتصاد الوطني المتهالك نتيجة التبعات الثقيلة والآثار المباشرة للانقلاب على الدولة ومؤسساتها وتدمير البنى التحتية والمنشآت العامة والخاصة وتعطيل غالبية الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية.
وذكر محافظ البنك المركزي اليمني الدكتور منصر القعيطي ان السحوبات النقدية غير القانونية من قبل الحوثيين من خزائن البنك المركزي في صنعاء والحديدة بلغت نحو (450) مليار ريال يمني أي ما يعادل (8ر1 مليار دولار أمريكي خلال فترة ال18 شهرا الماضية.
واشار الى ان الحكومة سعت طيلة فترة الحرب من أجل تغليب المصلحة الوطنية والحفاظ على حيادية واستقلالية البنك المركزي ووضع حد لتبعات الحرب القائمة على الاقتصاد الوطني ومعيشة السكان لكن لم تكن هناك استجابة كافية واستمر البنك يمارس أعماله غير القانونية في ظل سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء وبقاء المنظومة المالية والمصرفية تحت هيمنتهم.
وكثفت الحكومة اليمنية مؤخرا من تحركاتها وفق عدة خيارات لإنقاذ اقتصاد اليمن بينها سحب عمليات البنك المركزي من سيطرة وعبث المليشيا الانقلابية عقب انتهاكهم للهدنة الاقتصادية التي رعتها الامم المتحدة والمجتمع الدولي والمرتكزة على ضمان حيادية واستقلالية عمل البنك المركزي.
وأوضح نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الدكتور عبد الملك المخلافي ان الحكومة وبعد عبث جماعة الحوثي المسلحة وتنفيذها عمليات نهب والسطو على الاحتياطي المركزي تسعى لضمان ألا تصل المساعدات إليهم ليزيدوا إعانتهم الحربية كما حدث في الفترة الماضية تحت ذريعة الهدنة الاقتصادية.
وقال ان الحكومة ستمارس حقها في اتخاذ جميع الإجراءات التي تضمن عدم تزويد الحوثيين بالمال وفي الوقت نفسه دفع الاقتصاد الوطني ليكون في حالة مستقرة وعدم التدهور أكثر مما هو عليه الآن مع ضمان تدفق الأموال وصرفها على المستحقين بما في ذلك صرف الأجور على العاملين في جميع المناطق.
وانكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في اليمن من 3ر13 مليار دولار عام 2014 إلى 7ر8 مليار دولار عام 2015 أي بحوالي 6ر34 بالمئة العام الماضي ويتوقع البنك الدولي ان يزداد الانكماش عام 2016 بحوالي اربعة بالمئة.
ويعزو تقرير رسمي أسباب هذا الانكماش الكبير الى آثار الحرب التي أشعلتها المليشيا الانقلابية عقب سيطرتها على الدولة وتعليق دعم المانحين لليمن الذي بلغ حوالي 1ر7 مليار دولار خلال الفترة 2012 – 2014 وتجميد البرنامج الاستثماري العام فضلا عن تعثر إنتاج النفط الخام وتوقف الصادرات النفطية وغير النفطية وتقييد الواردات من الخارج.
وجراء ذلك تراجعت الإيرادات العامة للدولة بنسبة 7ر53 بالمئة خلال العام الماضي وقفز عجز الموازنة الصافي الى ما نسبته 4ر15 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي متجاوزا الحدود الآمنة وبنسبة ارتفاع تقارب ثلاثة أضعاف العجز المسجل عام 2014 قبل الانقلاب والبالغ 7ر4 بالمئة.
وتقدر الفجوة التمويلية للموازنة للعام الجاري بحوالي 5ر8 مليار دولار في حين ارتفع إجمالي رصيد الدين العام من 1ر22 مليار دولار عام 2014 إلى 9ر25 مليار دولار عام 2015 وبما يمثل 5ر65 بالمئة و4ر94 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي على التوالي.
ويشكل الدين العام الداخلي النسبة الأكبر حيث ارتفع رصيده من 8ر14 مليار دولار عام 2014 إلى 19 مليار دولار عام 2015 واستحوذت مدفوعات الفائدة على الدين المحلي ما يقارب ثلث النفقات العامة 9ر29 بالمئة عام 2015 وهذا يعني مزيد من رصيد وأعباء الدين العام على الاقتصاد اليمني والأجيال القادمة.
وفي مسار موازي كشف تقرير المستجدات الاقتصادية في اليمن عن انخفاض نصيب الفرد اليمني من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي حيث يقدر بحوالي 326 دولار للفرد فقط عام 2015 بعد ان كان 723 دولار للفرد عام 2010.
ووصف التقرير الصادر عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي ذلك الانخفاض بأنه وصل إلى “مستويات مقلقة” ما يعني انزلاق مزيد من السكان تحت خط الفقر وارتفاع مستويات انعدام الأمن الغذائي المرتفع أصلا ومزيد من انتشار سوء التغذية بين الأطفال.
وبلغ معدل التضخم السنوي حوالي 30 بالمئة في عام 2015 ويتوقع زيادته بصورة أكبر مع استمرار ضعف أداء المالية العامة وفقا لتوقعات البنك الدولي كما تدهورت القوة الشرائية للعملة الوطنية مع ارتفاع سعر الصرف الموازي للدولار مقابل الريال اليمني بحوالي 40 بالمئة في نهاية أغسطس 2016 مقارنة بما كان عليه مطلع العام الماضي.
وفي تعليق على تدهور المؤشرات الاقتصادية الكلية في اليمن جراء الانقلاب أكد وزير التخطيط والتعاون الدولي الدكتور محمد الميتمي ان اقتصاد البلاد دخل بالفعل مرحلة حرجة هي أقرب إلى غرفة الإنعاش، حيث انهارت الخدمات الأساسية وانكمش النشاط الاقتصادي واختفت المشتقات النفطية وتصاعدت أسعار السلع وانتعشت الأسواق السوداء وخاصة للمشتقات النفطية وأسعار الصرف.
واوضح ان الحكومة وأمام هذا المشهد الاقتصادي المريع تحاول إنقاذ اقتصاد البلاد من هذا المصير الكارثي حيث شرعت في إعداد برنامج لإعادة الإعمار والتنمية والتعافي الاقتصادي بالتعاون مع شركاء التنمية، واستكملت الأطر المؤسسية لهذا البرنامج.
ودعا وزير التخطيط المانحين لاستئناف دعمهم لليمن والذي يعتبر مصدرا من مصادر النقد الأجنبي وساهم تعليقه من طرف المانحين الإقليميين والدوليين في تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
واكد أن دعم المانحين ساهم بصورة ملموسة في استقرار الموازين والمؤشرات الاقتصادية الكلية في عدة فترات ومنها احتواء عجز الموازنة العامة واستقرار سعر صرف الدولار وتراكم الاحتياطيات الخارجية من النقد الأجنبي.
وانعكس التدهور الاقتصادي في اليمن جراء استمرار الحرب والانقلاب على الدولة، بشكل مخيف على الوضع الاجتماعي والمعيشي حيث تجاوز عدد الفقراء 85 بالمئة من السكان الذين يقدر عددهم ب26 مليون شخص وفقا لتقرير حديث أصدره البنك الدولي.
وتشير المعلومات الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية إلى أن حوالي 2ر21 مليون شخص (أي 82 بالمئة من السكان) يحتاجون إلى مساعدة إنسانية في اليمن منهم 9ر9 مليون طفل فيما بلغ عدد النازحين داخليا حوالي 2ر2 مليون نازحا في يونيو 2016.
وأكدت الأمم المتحدة أن النزاع في اليمن أدى إلى تدهور شديد في الاقتصاد وتسريح 70 بالمئة من العمالة لدى شركات القطاع الخاص حيث إن واحدة من كل اربعة شركات أغلقت في البلاد بينما تدهورت القوة الشرائية خاصة للأسر الفقيرة والمتضررة من النزاع.
وقدر اتحاد عمال اليمن أن الصراع تسبب في فقدان ما يزيد على ثلاثة ملايين عامل لمصادر دخلهم وانضمامهم إلى صفوف البطالة ويشير البنك الدولي الى ان البطالة بين صفوف الشباب اليمني ارتفعت إلى 60 بالمئة.
ويعتبر رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي مصطفى نصر نزوح رأس المال الوطني إلى خارج البلد هربا من الوضع سببا رئيسا لتزايد البطالة إلى معدلات غير مسبوقة موضحا ان أكثر من مليوني عامل يمني فقدوا أعمالهم جراء الحرب الداخلية التي يشنها الحوثيون ونتيجة توقف المئات من المنشآت الصناعية والتجارية عن مزاولة أنشطتها.
وأضاف “نحو 800 شركة مقاولات توقفت عن العمل بشكل كامل وتعرضت الآلاف من المنشآت الصناعية والتجارية للاستهداف المباشر من الميليشيات”.
وتعمل الحكومة اليمنية حاليا على ترتيب الوضع الجديد بعد نقل البنك المركزي الى عدن والسعي لتجاوز العوائق التي تفتعلها المليشيا الانقلابية في صنعاء لعرقلة ترتيبات نقل البنك المركزي من خلال إعاقة نقل خمسة قطاعات رئيسية من صنعاء إلى مقر البنك المركزي الجديد بعدن وهي العلاقات الخارجية والعمليات المصرفية الخارجية والخزينة والرقابة على المصارف وشؤون الموظفين واحتفاظهم بقاعدة البيانات للموظفين والرواتب.
وبحسب مسؤولين في البنك المركزي فانه سيتم الشروع فور استكمال الترتيبات في صرف مرتبات موظفي الدولة البالغ عددهم مليون و200 ألف موظف (مدني وعسكري) والذين لم يتسلموا مرتباتهم منذ شهرين واكثر.
ويرى اقتصاديون ان إجراءات الحكومة بسحب سيطرة الانقلابيين على البنك المركزي ونقله الى عدن سيساهم في تعافي الاقتصاد اليمني وتقليل أثار وتداعيات الحرب المستمرة على الوضع المعيشي للمواطنين شريطة وفاء المانحين وشركاء اليمن في التنمية بتعهداتهم لدعم الحكومة الشرعية للإيفاء بالتزاماتها.
ويتعهد محافظ البنك القعيطي بالعمل على إنقاذ البنوك من أزمتها الراهنة من أجل أن يتم التدفق النقدي والتجاري داخل الاقتصاد اليمني وتامين طريقة سليمة وصحيحة للتدفق النقدي السلعي في المعاملات الخارجية بما يحافظ على التدفق السلعي والنقدي واستمرار مصالح الشعب وعدم التأثير عليها.
كما شرعت الحكومة في اتخاذ إجراءات لاستئناف إنتاج وتصدير النفط الخام والغاز المسال المتوقف منذ سيطرة الانقلابيين على الدولة خاصة وان المحافظات النفطية والغازية أصبحت بالكامل محررة وتحت إدارة الحكومة الشرعية التي ترتب عودة الشركات الأجنبية التي غادرت البلاد حيث ستنعش عودة إيرادات الغاز والنفط (تشكل حوالي 70 بالمئة من إيرادات الموازنة اليمنية) الدورة الاقتصادية وتكبح جماح التدهور المتسارع للوضع الاقتصادي.
ووسعت الحكومة اليمنية من البحث عن الخيارات التمويلية لاستعادة دور الموازنة في تحفيز النمو الاقتصادي عبر البرنامج الاستثماري العام للوصول به الى مستوى يسمح بالتعافي الاقتصادي وتحريك شريان الاقتصاد وقطاعاته المختلفة وفقا لما أكده مصدر حكومي مسؤول.
وكشف المسؤول عن تنسيق عالي المستوى مع الداعمين لليمن في دول الخليج العربي وعلى رأسها السعودية وشركاء التنمية من الدول الشقيقة والصديقة والمنظمات الدولية لدعم ومساندة الحكومة اقتصاديا والشروع في إطلاق برنامج إعادة الإعمار لتحريك عجلة الاقتصاد وتجاوز التبعات الكارثية للحرب التي فرضتها مليشيا الحوثي وصالح الانقلابية على الشعب اليمني.
أضف تعليق