اعتبر الكثير من المحللين السياسيين والإعلاميين، وانتهاءً بعوام الناس، انتخاب المرشح الأميركي دونالد ترامب مفاجأة من العيار الثقيل، وكارثة ستحل بالولايات المتحدة والعالم، وجاءت ردود الفعل على فوز الرئيس الجديد سريعة وغاضبة، وقد تستمر الاحتجاجات في موجة تصاعدية لتبلغ ذروتها يوم توليه المنصب في مطلع العام القادم.
لأول مرة في التاريخ الحديث تأتي ردود الفعل السلبية والمتشابهة على اختيار رئيس أميركي في الداخل الأميركي وخارجه، حيث يتوقع المتشائمون من أفكار السيد ترامب وأطروحاته ذات البعد العنصري والإقصائي أنها قد تتسبب في مشاكل العنف والكراهية وتطبيقاتها على أرض الواقع.
دراسة حالة ترامب لا تحتاج إلى الكثير من الجهد، والموضوع يفترض ألا يكون بمثابة صدمة غير متوقعة، فوصول ترامب إلى البيت الأبيض جاء بأصوات الشعب الأميركي، بل إن الرجل اكتسح الولايات الأميركية، الأمر الذي يعكس التوجه الشعبي داخل الولايات المتحدة وبروز المشاعر اليمينية الحادة، وهذه موجة بدأت تجتاح الكثير من المجتمعات الغربية مؤخراً، حيث لم ينتصر الرئيس ترامب على منافسته هيلاري كلنتون فحسب أو الحزب الديمقراطي، بل انتصر على الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه، وعلى الإمبراطورية الإعلامية الأميركية وأعطب ماكينتها الدعائية، وانتصر على مؤسسات المجتمع المدني التي استنفرت ضده، وعلى الآلاف من مشاهير الرياضة وهوليود وقادة السياسة بمن فيهم ثلاثة رؤساء هم بيل كلنتون وجورج بوش وباراك أوباما، فكان يمثل لسان حال الأغلبية اليمينية الصامتة في أميركا التي أحدثت هذا الفارق وبامتياز. ماذا سيحدث للولايات المتحدة؟ هذا شأن داخلي صرف، وإن كان العالم برمته سيتأثر بمحورية القطب الأميركي دولياً، ولكن ثمة درسان يفترض أن يستفيد منهما الشعب الأميركي نفسه ومن ثم شعوب العالم. ترامب أقنع الجمهور الأميركي بفساد واشنطن العاصمة ورموزها السياسيين والقدرة على ابتزازهم وتجييرهم للمصالح والنفوذ وأموال الشركات العملاقة وبورصة وول ستريت، فهذه الماكينة الإعلامية والمالية هي التي خلقت من الحكومة الأميركية بعبعاً يخشاه العالم، ونصبت الولايات المتحدة بغرور واستعلاء زعيمة على دول العالم، فراحت تتدخل في شؤونها وتزعزع أنظمتها وتشن عليها الحروب وتقتل شعوبها وسط تأييد الكثير من الأميركيين لهذه السياسة العنصرية والاستكبارية، وها هو الشعب الأميركي نفسه يتجرع تلك الكأس، وبدأ يستشعر معنى الخوف والقلق والتمييز العنصري والمستقبل المجهول.
أما شعوب العالم وحكوماتهم، بمن في ذلك العرب والمسلمون، فيفترض ألا يلوموا إلا أنفسهم، فقد أهملوا التعليم والتنمية وحقوق الإنسان، وباتت شعوبهم تقف طوابير طويلة أمام أبواب السفارات الأميركية طلباً للهجرة والدراسة والأمان، وضيقوا على حريات الناس بأنظمة قمعية، فكانت أميركا بالنسبة إليهم الجنة الموعودة، وكدسوا السلاح والعتاد من الترسانة الأميركية لقتال بعضهم بعضا، حتى ثروات دولهم أودعوها في البنوك والمؤسسات الأميركية دونما أي شعور بالخجل أو مراعاة لكرامة الشعوب، فها هم يقطفون الشوك من زراعة العلقم، فلماذا الزعل؟!
أضف تعليق