المخطط الصهيوني الذي رسم خارطة الطريق لما يسمى الشرق الأوسط الجديد أو الكبير ليس حديث الساعة كما يعتقد الكثيرون، بل يتجاوز مشروع كوندليزا رايس مستشارة الأمن القومي ووزيرة الخارجية السابقة التي أعلنت عنه في فترة سابقة، فالصهاينة هم من أسس لهذا المشروع شكلاً ومضمونًا، وكما قال شمعون بيريز حينها: لقد جرب العرب قيادة مصر للمنطقة العربية مدة نصف قرن، فليجربوا قيادة إسرائيل، هذا هو المخطط تحديدًا الذي تعمل عليه إسرائيل، والذي يأتي تحت مظلة أمريكية غربية.
يقول المعلق الأمريكي وليام كريستول من المحافظين الجدد: “إن هذه فرصة الولايات المتحدة الأمريكية أن تأخذ زمام المبادرة مرة أخرى في المنطقة”، وفي مقال بعنوان الولايات المتحدة الأمريكية متواطئة مع إسرائيل في تحطيم لبنان يقول المعلق الأمريكي بول كريغ: “إن ما نشهده في الشرق الأوسط هو تحقق خطة المحافظين الجدد في تحطيم أي أثر للاستقلال العربي الإسلامي والقضاء على أية معارضة للأجندة الإسرائيلية ولهذا أسند وضع المخطط لإعادة تقسيم الشرق الأوسط لضابط كبير في الاستخبارات الأمريكية يدعى رالف بيترز، وكما نشر في ثنايا مقال بمجلة القوات المسلحة الأمريكية في عدد يونيو 2006م”، ويبين هذا المقال كيفية تنفيذ المخطط الصهيوأمريكي للشرق الأوسط وتقسيمه.
يتضمن ذلك المخطط التقسيمي من تحريض الأقليات الأكراد، والشيعة، والعرب، وكذلك الأمر بالنسبة للمسيحين والبهائيين والإسماعيليين والنقشبنديين، ونتيجة لذلك التحريض والدعم المادي واللوجستي من قبل المخطط الصهيوأمريكي، يجب إعادة تقسيم الشرق الأوسط انطلاقًا من تركيبتة السكانية غير المتجانسة القائمة على الأديان والمذاهب والقوميات والأقليات، ويشير بيترز في ثنايا مخططه عن تقسيم العراق لثلاثة دول: كردية، وشيعية، وسنية، ويضيف بيترز بأن السعودية دولة غير طبيعية ويقترح أن يُقتطع منها مكة والمدينة المنورة حتى تنشأ فيها دولة إسلامية مقدسة على رأسها مجلس يترأسه بالتناوب أحد ممثلي الحركات والمدارس الإسلامية الرئيسية، كما يقترح في مخططه الصهيوني إضافة شمال السعودية للأردن، وأن يضم جنوب السعودية لليمن، وهكذا دواليك.
أما بالنسبة لدولة الإمارات فالمخطط الصهيوالأمريكي وكما يقول بيترز فيجب أن يطلق عليه على حد قول بيترز اسم الدولة المدينية، والتي يدمج بعضها مع الدول العربية الشيعية، ويسري هذا المخطط الصهيوأمريكي على مفاصل الشرق الأوسط برمته.
المهم أيها السادة في هذا المخطط الصهيوأمريكي آليات التنفيذ لذلك المخطط والمتمثلة ببعض الجماعات الإرهابية المارقة المتمثلة بملالي إيران والإخوان والدواعش، ولعلي أسلط الضوء هنا على أحدث صناعات الأمريكان المتمثلة بصناعة داعش، يقول الخبير الاستراتيجي الأمريكي الشهير وليام انجدال لمجلة إنفورميش كليرخ هاوس الأمريكية في 7 اكتوبر بأن عصابة داعش الإرهابية التي يرمز لها باسم isis مكونه من إرهابيين دربتهم أمريكا عن طريق القوات الخاصة في الجيش الأمريكي واستعملتهم كوسيلة لخلق فوضى تمكن من إنشاء دولة دينية مبنية على الشريعة الإسلامية على غرار دولة الخلافة الإسلامية السالفة لحساب مصلحة العسكرية الأمريكية التي اندمجت في هذه العملية لمدة حقبة كاملة، وحينما سأله مذيع وكالة رويتر والذي أجرى الحوار معه عن السبب في استمرار العنف لهذه المدة الطويلة أجاب انجدال: لقد استمر العنف لأطول حقبة كاملة منذ الغزو الأمريكي للعراق، لأن أمريكا كانت منغمسة عسكريًا في الشرق الأوسط، فالأمر هكذا بمنتهى البساطة منذ قامت أمريكا بإسقاط حكم صدام حسين، وبعده حسني مبارك، وإشعال موجة ثورات الربيع العربي في طول العالم العربي وعرضه لإعادة تنظيم المنطقة بما يتفق مع مصالح العسكرية الأمريكية في مواجهة كل من الصين وروسيا أساسًا.
ولما سؤل المذيع انجدال عما إذا كان التدخل العسكري الأمريكي حقق أية نتائج إيجابية رد انجدال قائلاً: أنا لا أرى أمامي سوى مأساة إنسانية، فهي سياسة ليست لها أية نتائج إيجابية أو إنسانية، ولا تضمن أكثر من خلق فوضى شاملة وانهيار استقرار يمكّن أمريكا أو بمعنى أدق الحكومة الأمريكية في واشنطن من ابتزاز حلفائها الأوروبيين فضلاً عن الصين وروسيا، وعاد المذيع يسأله عن كيف كان تأثير هذه الحرب التي استمرت دون توقف على موقف المسلمين تجاه الغرب، أجاب انجدال: لاعتقد أن هذه الحرب قد خلقت أية مشاعر ودية أو دافئة بين المسلمين تجاه العالم الغربي، وهناك علاقة خاصة بين العالم الإسلامي وأمريكا، فإدراة أوباما لديها مشروع مع جماعة الإخوان المسلمين، فهناك على الأقل خمسة من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين هو في نفس الوقت أعضاء في إدارة أوباما وعلى صلة وثيقة بالبيت الأبيض، واستراتيجة هذا التحالف بين أوباما والإخوان المسلمين هي نشر عقيدة الموت هذه التي بدأت في مصر في عشرينات القرن العشرين على يد التنظيم الأصلي الذي أنشأه حسن البنا واستخدامها في خلق تيارسلفي وليس مجرد تيار جهادي.
ولما سأله المذيع عما إذا كان النزاع الدائر في الشرق الأوسط يمكن اعتباره نزاعًا شيعيًا سُنيًا وما إذا كان التدخل الأجنبي قد كان له أثرعلى العلاقة بين المسلمين، أجاب انجدال: لقد دفع التدخل الأجنبي الأمور لحافة الحرب بين الشيعة والسنة، وقد كان هناك قطعًا خلافٌ بينهما قبل سنة 2003 وكانت هناك هدنة بين الطرفين، وإن كانت غير سلسة ولكنها كانت هدنة، ففي سوريا كان الشيعة والسنة يعيشان جنبًا إلى جنب، وكان إلى جانبهم العلويون وطوائف أخرى، ونفس الشيء كان في تركيا والعراق، والآن ماذا فعل الجنرال الأمريكي بترايوس قائد قوات الاحتلال الأمريكي في العراق؟ خلق هذه الحرب المقدسة بين الشيعة والسنة في العراق عن طريق استراتيجية في تدبير حركة تمرد وتدريب مرتزقة وبوليس سري وغير ذلك، والآن نجني ثمار مافعلناه، فقد تم تدريب هؤلاء الإرهابيين عن طريق القوات الأمريكية الخاصة في جورجيا، وتم تجنيد الشيشان وتدريبهم في قواعد سرية تابعة لِحلف الناتو في تركيا والأردن، وخلال العام والنصف الماضيين تم تطوير مانسميه بداعش في لانجلي بولاية فرجينيا بمقر المخابرات الأمريكية.
يبقى أن أقول أيها السادة، لابد أن نؤكد أن الاعتصام بالعقيدة الإسلامية السمحاء ومنهجها الوسطي المعتدل المتسامح والتي تدعو للمحبة والإخاء والتعاون وتلاقح الحضارات وحوار الأديان هي من يستطيع الوقوقف وبقوة أمام ذلك المخطط الصهيوأمريكي، ويجنبنا كذلك الوهن في الذاتية والضعف في الفاعلية الحضارية ويجنبها ما اعتراها في ماضيها من فرقة وتمزق وتبعية، الأمر الذي أوقع العديد من أوطان المسلمين تحت الهيمنة الأجنبية، بما في ذلك القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين، فتعرضت هذه الأوطان لشتى أنواع الظلم والعدوان وتناقص كسبها العلمي ونصيبها من مواردها المادية، فظلت حتى مطلع هذا القرن تحدق بها المخاطر والتحديات في استقلالها وأمنها وعزتها وكرامتها.
أضف تعليق