أقلامهم

صورتان للحالة المندوبية

يستحق النائب خلف الدميثير الشكر، فقد قال بصراحة وشجاعة إنه لا “يستعر” من أن يوصف “بمندوب” في مجلس “المناديب” إذا كان هذا المندوب ينجز معاملات الناخبين، فهذه خدمة تشرفه، و80 في المئة من عملنا في المجلس هو توفير هذه الخدمة، والباقي يترك للتشريع والرقابة (كما فهمت من خطابه).

مجلس “المناديب” الذي أطلقه المعارضون على المجلس السابق كوصمة عيب دستورية يعني أن وظيفة نواب هذه المجالس هي إنجاز معاملات المواطنين أبناء الدائرة، سواء كانت هذه المعاملات تتفق مع القانون إلا أن بيروقراطية الإدارة المريضة تعطلها، أو كانت مخالفة للقانون كمبدأ وتحتاج لسلطة الاستثناء من الوزير كحالات العلاج في الخارج التي أبدع فيها وزير الصحة العبيدي بتوجيهات مفترضة من الوزراء الشيوخ، وفي الحالتين تصبح المؤسسة البرلمانية سوقاً لتبادل الخدمات بين النواب “المناديب” (المندوبين) ووزراء السلطة الذين يجب عليهم أيضاً أن تكون مهمتهم الأولى هي “تسهيل أمور المواطن وخدمته” كما تردد أدبيات الحكومات الثابتة.

في ثقافة الحكم اليوم، ومن اللحظة التي وجد فيها الحكم نفسه بمواجهة مع الدستور الذي عجزت السلطة عن هضمه، أي منذ مجلس 63، لا يجوز أن تتخطى مهمة النيابة هذا الدور المندوبي المطلوب، أي وظيفة “مخلص المعاملات”، وإذا حدث أن تم تجاوزه لممارسة الدور الرقابي (أكثر من الدور التشريعي) عندها تهز السلطة سيف الحل، ودائماً هناك معين لا ينضب من الأسباب السياسية تجد مكانها في التفسير المطاطي للقانون تبرر الحل.

يمكن ملاحظة أن وظيفة مندوب الناخب التي حلت مكان ممثل الأمة تتحدد بأحد وجهين، فهناك النائب المندوب المفروض عليه أن يقضي مهمات الجماعات الأقل ثراء والأقل حظوظاً في الثروة الريعية وفي المناصب الكبيرة، الذين يعدون أنفسهم قد جاؤوا متأخرين في مضمار سباق فرص الثروات، وهذه هي المهمة المفترضة للنائب كتخليص معاملة جواز بسيطة، وتمرير مخالفة بناء… وتوظيف في إدارة تتوفر بها مزايا معينة ككادر خاص مثلاً، وعلاج سياحي… وغير ذلك من الأمور الخدماتية التي يمكن اعتبار (بنوع من التجاوز) أنها بسيطة في الثقافة التاريخية للدولة.

الوجه الآخر للعمل الانتدابي أخطر وأكبر، وهنا لا تكون مهمة النائب المندوب “تخليص” معاملة بل “تفصيل” مناقصة أو مزايدة حسب الظروف المطلوبة. النائب في هذا المكان يرتفع ويتعالى بقوة سلطانه وحيثيته الاجتماعية وحيثيات مَن دعمه مالياً من الحالة “المندوبية” الصغيرة إلى ممثل المصالح الكبيرة، هذا النائب أي المندوب الأكبر ينتقد بضراوة واقع السياسة بالدولة ويهاجم الفساد بخطاب عام مستهلك، وفي أحايين أخرى يظهر نفسه بدور العاقل المتزن الذي لا يريد أن تصل الأمور لدرجة الحل… وهو في آخر الأمر “مندوب” لا أكثر، منتدب لتحقيق مصالح جماعات محددة ذات نفوذ تظهر نفسها بالمظهر العقلاني القانوني لكنها في النهاية صورة من صور الفساد، والقانون الذي يسعفها عادة لا يستند إلى المؤسسات الثابتة المستقلة ويمكن أن يكون بحد ذاته أداة فساد مستترة، وهي أخطر على مستقبل الوطن من الفساد البسيط الظاهر.

ماذا عن مجلس الأمة الجديد، وما مصيره لو حاول (مجرد افتراض) بعض شبابه تجاوز الحالة المندوبية بأي من الصورتين السابقتين، الصغرى أو الكبرى؟ وهل نتخيل أنه يمكن له أن يستمر قليلاً في معمعة مراسيم الحل أياً كان الظرف المأسوي القادم للحالة المالية للدولة؟… فكروا قليلاً.

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.