أظهرت نتائج إنتخابات مجلس الأمة 26 نوفمبر 2016 ، صعوداً لافتاً للحركة الدستورية الإسلامية بعد حصولها على أربعة مقاعد برلمانية ( أسامة الشاهين ، جمعان الحربش ، محمد الدلال ، عبدالله فهاد العنزي) مقابل تراجع حاد للمكون السلفي – التجمع السلفي – بعد سقوط ثلاثة من مرشحيه ( أحمد باقر ، علي العمير ، حمود الحمدان ) .
والمتابع للشأن السياسي يدرك حدة المنافسة السياسية في تاريخ مشاركة هذين المكونين باعتبارهما من مكونات الإسلام السياسي في الكويت . ولكن صعود الحركة الدستورية الإسلامية كما ذكرنا آنفاً أخرج التجمع السلفي من المنافسة بعد حضور ضعيف أو شبه معدوم سجله الأخير في نتائج الانتخابات . كما لا يمكن إغفال مزاج الناخبين و تطلعاتهم خاصة بعد حل مجلس 2013 ، اللذان ساهما في إخراج المشهد السابق حتى ولو كان ذلك بشكل غير مباشر .
وبتقديرنا هناك جملة من الأسباب تقف خلف التراجع السلفي السابق، أولها : ضعف الدور و الأداء البرلماني سواء على الصعيد التشريعي أو الرقابي خاصة تجاه قضايا مهمة ( كسحب الجناسي ، و الحبس الاحتياطي، و قانون العزل السياسي، وتقليص الدعوم ، ورفع أسعار البنزين، و الوثيقة الإقتصادية) لدرجة أن المجتمع الكويتي لم يعد يفرق ما إذا كان أعضاء التجمع السلفي يمثلون الأمة أم يمثلون الحكومة ، فضلاً عن درجة التوافق الحكومي السلفي التي أثارت في نفس الوقت حفيظة قاعدة هذا التجمع بتنوعها ! .
ثانيها : يعاني التجمع السلفي- إن صح تسميته بالتجمع – من إشكاليات داخلية وتحديداً على مستوى القيادة التي لم تعد قادرة على الـتأقلم مع متطلبات الساحة السياسية، كما أن القيادة فقدت اللياقة السياسية أو الصواب السياسي، ولعل مطالبة الوزير السابق جاسم العون بضرورة تمكين العنصر الشبابي و تجديد دماء التجمع توضح أزمة التجمع الراهنة .
ثالثها (وهي الأهم): ليس من الرشد السياسي أن يمارس التجمع عن طريق ( مشايخ الدين) حملة تزكيات سياسية لا ترقى ولا تهضمها ثقافة المجتمع السياسية ، وهذه التزكيات أصبحت تشكل جزء مهم من الخطاب السلفي السياسي ، واستمرار هذا النوع من الخطاب لن يصب في صالح التجمع على المدى البعيد.
إن صعوبة التأقلم مع الواقع ومتطلباته، و ضعف الخطاب السياسي وعدم تجديده بما يتناسب مع ثقافة المجتمع السياسية المتطورة ، هي أهم أسباب عدم وصول السلفية السياسية إلى مرحلة سن الرشد السياسي (كما يصفها جان بول سارتر في كتابه)، ولن تصل إلى هذه المرحلة دون ممارسة النقد الذاتي، ولذلك تعتبر هذه الفترة هي الأنسب لمراجعة أخطاء المرحلة السابقة و كشف أهم مكامن الخلل السياسي.
وهنا يمكن طرح سؤال مهم: ما هو السبب الرئيس في تشظي السلفية السياسية إلى عدة سلفيات متابينة في الرؤى و المنهج؟
وإنطلاقاً من الواقعية السياسية، استطاعت الحركة الدستورية الإسلامية بطريقة غير مباشرة وقد تكون غير مقصودة كشف الخلل السلفي من خلال مقاطعتها لمجلسي (دسيمبر 2012 المبطل ، و 2013 المنحل) و إظهار أهم أوجه القصور في تجربة التجمع السلفي البرلمانية الأخيرة.
ولا نريد أن نذكر بسبب مقاطعة الحركة الدستورية الإسلامية وإنتقالها بعد ذلك إلى طور المشاركة في إنتخابات نوفمبر 2016، ولسنا في صدد تقييم هذا التحول السياسي -الذي تطرقنا إليه في مقال سابق وبشيء من التفصيل- خاصة أن نسبة المشاركة في هذه الانتخابات تجاوزت 70 % ، وتعتبر من أعلى نسب المشاركة في تاريخ الانتخابات البرلمانية.
إن ما يميز الحركة عن التجمع هو مقدرتها على قراءة الواقع و التأقلم مع متطلباته والتفاعل مع مزاج الشارع السياسي، كما أنها عبرت في أكثر من موقع عن معارضتها لسياسات الحكومة ودور المجلسين السابقين اللذين كانا محط انتقاد غالبية المجتمع الكويتي.
ولا يوجد في عالم السياسة صعود دائم، خاصة في مجتمع يملك ذاكرة سياسية قوية و متابع لأدق تفاصيل المسألة البرلمانية و تفريعاتها، وهذا ما ينبغي أن تضعه الحركة الدستورية الإسلامية نصب عينيها.
وما تعرض له التجمع السلفي من سقوط مدوي ينبغي أن يكون درساً هاماً للحركة ولجميع التيارات السياسية، فالتراجع عن المصلحة العامة و الدفاع عنها، لن يبعد أي تيار مهما بلغ حجمه عن العقوبة الاجتماعية و السقوط السياسي .
أضف تعليق