بانت بعض الملامح الأولية لخريطة مجلس 2016 بشكل مبكر، وأول مؤشرات ذلك انتخابات مكتب المجلس بدءاً بالرئيس وانتهاءً بأمانة السر، وقد لا يكون ما جرى في جلسة الافتتاح جازماً لمعرفة مستقبل العهد الجديد، إلا أنه يوحي بدخول الحكومة على الخط منذ اللحظة الأولى، فتشكيلة الحكومة واستبدال بعض المواقع فيها وإدخال وزراء جدد من المحسوبين على المعارضة من جهة، وقوتها التصويتية المتضامنة في انتخاب الرئيس ونائب الرئيس تأتي كرسالة واضحة وقوية مفادها “احم احم نحن هنا”، أما تكتيكاتها السياسية فكانت ذكية شئنا أم أبينا لأنها مثلث “دقرة” من العيار الثقيل لبعض التيارات السياسية وخصوصاً في المعارضة، ولهذه التكتيكات مغزاها وأهدافها نستعرض جملة منها.
أولاً الحكومة نجحت في كسر المقاطعة وجرتها إلى الانتخابات الأخيرة حتى تبيّن وزنها الحقيقي شعبياً، حيث سقط الكثير من نواب الأغلبية المبطلة، ومن نجح منهم لم يحقق أرقاماً خارقة كما كان متوقعاً، بل إن فوزهم لم يكن سهلاً على الإطلاق.
ثانياً الحكومة نجحت في خداع الإسلاميين وخصوصاً في انتخابات الرئاسة على أمل الحصول على منصب نائب الرئيس، حيث بلعوا الطعم ونالوا صفعة حامية تحمل الإهانة والإذلال من ناحية، وانكشف وزنهم الطبيعي في المجلس من ناحية أخرى، بل الأهم من ذلك ضربت مصداقيتهم أمام الناس وتعهداتهم بفتح الملفات الساخنة التي هددوا بها أثناء العملية الانتخابية.
ثالثاً الحكومة نجحت في اختراق جبهتي المعارضة الإسلامية والليبرالية، إما باستمالة بعض نوابها ممن أوضحوا أثناء الانتخابات عن توجهاتهم في انتخابات الرئاسة أو التجمعات التي عقدت بعد إعلان النتائج، وطرق الاستمالة السياسية هذه متنوعة ومغرياتها كثيرة وصفقاتها حسب الطلب، ولا يتوافر كل هذا إلا في المخزون الحكومي.
رابعاً الحكومة نجحت في تفتيت الجبهة التي كان يؤمل أن تشكل خط معارضة نيابية واسعة، وأشغلتها ببعضها في الصراع على الرئاسة، فدخلت قاعة المجلس مهزوزة وتتبادل الشك والاتهام وتسرب منها البعض حتى كانت نتيجة انتخابات الرئيس لها مخزية ومخجلة تماماً.
خامساً ولعل الأهم، أن الحكومة أرادت أن توصل رسالة واضحة من خلال الرقم الكبير الذي رتبت له في انتخاب الرئيس، وبعد ذلك في انتخاب نائب الرئيس على مرحلتين، وأن حالة الغضب التي كانت سائدة أثناء الانتخابات ضد مجلس 2013 المنحل قد انتهت، وأن المجلس الجديد سيكون أيضاً في جيب الرئيس، ومن خلاله في جيب الحكومة، وأن الشعب “حدّه” السبعة دنانير بدل البنزين، وبقية بنود الوثيقة الاقتصادية آتية في الطريق، وقوانين الحرمان السياسي والسجن الاحتياطي للمغردين والجرائم الإلكترونية باقية، وباختصار لم يتغير أي شيء باستثناء أن شعبية الرئيس قد زادت وموقف الحكومة أقوى مع وجود المعارضة لا بدونها، وأن دخول المجلس ليس كخروجه! وهذا هو التحدي الأهم ليس للمجلس ككل ولكن للنواب الشباب ممن ثبتوا في اليوم الأول على قناعاتهم وكانوا صادقين مع أنفسهم، والاستمرار في مثل هذه المواقف مستقبلاً سيكشف مصداقية تسونامي التغيير في الانتخابات الأخيرة أكثر وأكثر!
أضف تعليق