أن تبني موقفك السياسي على أساس إنساني بحت، فذلك يوجب عليك أن تكون مواقفك متطابقة وعلى مسطرة واحدة في جميع الحالات والأحداث المتشابهة، بغض النظر عن هوية الفاعل والمفعول به والدوافع والأسباب والموقع الجغرافي.
وأن يكون موقفك واقعياً نفعياً يلبي حاجاتك ويحفظ مصالحك، فعندها من الطبيعي أن تختلف مواقفك وإن تشابهت الحالات، من هنا يجب أن ننتبه ونفرق بين الشخصي والعام، وبين الواقعية والإنسانية، فالدول تتخذ مواقفها السياسية بناء على النوع الثاني من التفكير والتعاطي مع القضايا والأحداث، وذلك بما يحقق مصالحها العليا وأهدافها الاستراتيجية، والعلاقات بينها قائمة على هذا الأساس واللغة المتبادلة والمفهومة بين أطرافها، لذا فإن التناقض والازدواجية في مواقف الدول ليسا عيباً يشينها، بل هما من طبيعة عملها، ودليل حكمتها أحياناً، لكنهما في المقابل منقصة إذا كانا بين الأفراد، وبالذات مدعي الإنسانية والتدين والمبدئية، كذلك ليس من الضروري دائماً أن يترجم الموقف والتعاطف الإنساني إلى موقف وفعل سياسي إذا كان يضر بمصلحة صاحبه، الخطورة لدينا هنا تكمن في وجود الجماعات والحركات والأحزاب الإسلاموية بمذهبيتها التي تستغل الجانب الإنساني فينا، لتمرر أجندتها السياسية علينا، سواء كانت داخلية؛ سعياً لإلهاء الناس عن تراجعهم المبدئي وخوائهم الفكري وعجزهم التشريعي في مرحلة شبابية تنافسية طموحة وتعويضها بالتصعيد لاستعادة الزخم الآفل، وإعادة إحياء التوتر السياسي والطائفي، تمهيداً للعودة إلى المربع رقم واحد، أو خارجية لدعم أحزابهم الأم ورفاق الفكر “النيّر” وأحلامهم الخيالية بـ “يوتوبيا” الخلافة والجواري والغلمان.
نحن جميعاً يجب أن نتعاطف مع حلب وما يجري بها من مذابح، سواء كانت بيد النظام حالياً أو غيره سابقاً، لأن إنسانيتنا الخالصة هي التي تدفعنا إلى ذلك وليس أصحاب المصالح السياسية المغلفة بالشعارات هم الذين يدفعوننا إلى ذلك، لكن علينا ألا ندع أحداً يستغل طيبتنا وعاطفتنا الجياشة واندفاعنا من خلال تجمعاتنا لإثارة الفتنة بيننا، أو للضغط على سياسة الدولة الخارجية ومصالحها بعيدة المدى لتحقيق مصالح جماعته وحزبه على حسابنا العام، فحتى الدول رغم كل شيء تبقى مواقفها واضحة على الأقل، ويمكن تحليلها والتكهن بها، أما هؤلاء فإنسانيتهم لم تظهر في سورية إلا على جرائم النظام، أما جرائم “داعش” والقاعدة وبقية “الجبهات”، فلم تكن إلا “أفعالا شاذة من إخوة لنا بغوا علينا وندعو لهم بالهداية”، وكأن الدم السوري حلال هنا وحرام هناك، وبالتالي واجبنا تحكيم عقولنا وعدم الوثوق بمعاييرهم المطاطة والاندفاع خلفها بما يضرنا في النهاية، فمعايير إنسانيتهم وحرمة جميع الدماء عندهم تشابه مصداقية معاييرهم حين يفرقون عند تحريم وتحليل الحفلات الأوبرالية، حسب نوعية الحضور ومناصبهم، أو كمصداقية قسمهم بأغلظ الأيمان على الثبات و”لحسه” بعدها أسرع من طفل يعشق البوظة، وطبعاً الطرف الآخر المندفع وراء النظام السوري وتبرير جرائمه، ويتباكى هناك على الدم اليمني ليس بأحسن حالاً منهم انتهازية واستغلالاً، وكلا الفريقين أسوأ من بعض، وكلاهما يستفيد من وجود الآخر ليزيد شعبيته بين جمهوره، وله منافع أخرى، فالمعركة هنا بين شياطين وشياطين، وليس بين ملائكة وملائكة، لكن نحن من يقع على عاتقنا واجب التركيز والتمييز بين الإنساني والانتهازي، وبما يحفظ مصالحنا بينهما.
كونوا إنسانيين وتعاطفوا وساعدوا المظلومين والمحتاجين، وانفعلوا واشتموا وابصقوا، فكل يعبر بسلوكه عن رأيه وتربيته وأخلاقه أيضاً، وهذا حقه طالما أن الدستور كفله ولا يؤذي الآخرين، لكن لا تنجرفوا وتجعلوا مقياس مواقفكم السياسية يكون وفق المنظور الشخصي والاجتماعي البسيط الذي تقيسون فيه علاقاتكم الإنسانية اليومية، فتسقطوا بعدها في فخ تأنيب الضمير عن ذنب لم تقترفوه ليستغلوا عواطفكم النبيلة باسم الإنسانية والدين والمثل العليا، لتحقيق مآرب لا تمت إلى الإنسانية بصلة، فيدفعوكم للتضحية بمصلحتكم الخاصة في سبيل إثبات وجهة نظرهم، فكأنهم يساهمون في تخريب بلدهم من خلالكم، ليثبتوا لكم صحة أفكارهم المريضة، نتعاطف نعم، لكن ليس على حساب أنفسنا واستقرارنا ومصالحنا كما يريدون لنا، لا يصح أن يموت الطبيب حتى تنجح العملية وتعيش المريضة، فحسبما أذكره عن مصالحنا مثلاً والتاريخ ليس عنا ببعيد، أنه في الوقت الذي كان موقف الإخوان المسلمين مثيراً للشك والريبة أثناء الغزو العراقي للكويت، وبعض الجماعات السلفية في السعودية عارضت حكومتها رفضاً للتدخل الأجنبي لتحرير بلادنا، امتنعت روسيا حينها عن استخدام حق النقض (الفيتو) بالأمم المتحدة، ولو لم تفعل ذلك لظللنا حتى الآن المحافظة رقم 19.
لذا تواضعوا يرحمكم الله… والركادة دائماً وأبداً زينة.
صديجي فهد ، اشلونك و عساك بخير
أتمنى تكتب مرتين على الاقل في الاسبوع.
بالتوفيج
صديقك في الكفاح الشطرنجي منصور الاستاذ