كتاب سبر

الإلياذة السورية (1)

في الوقت الذي تتصارع فيه أربع مشاريع دولية على الأرض السورية، يبقى المشروع العربي كالعادة مشروعاً قيد الإنشاء والتعبير لا يتجاوز تأثيره المحسنات اللغوية في البيانات المنددة والبلاغة في الشجب والاستنكار وأساليب التعجب والاستفهام وخلافه في هاشتقات التويتر.

لذا في حال كنت لا تريد تقوية وتحسين مهاراتك اللغوية فلا داعي لإشغال وقتك بجزئية اللسان الممدود والفعل المحدود العربي ودع عقلك البشري ينشغل بالمشاريع الأربع الأخرى “فالعقل كالعِقال مولانا.. إن لم تحترمه تقطع على ظهرك”، المشاريع الأربعة المؤثرة بالترتيب الأقوى فالأقوى هي المشروع الغربي ثم الروسي وبعدهما بذات القوة المشروعان الإيراني والتركي.

المشروع الغربي هو الأقوى بالمنطقة بلا شك نظراً لحجم التأثير ووفرة الأدوات، من ينظر لرأس جبل الجليد سيخالفني بهذا حتماً ولكن من يقرأ ما تحت سطور جبل الجليد المغمور ببحر الاقتصاد والقوة العسكرية والاستراتيجيات الراسخة سيوافقني حتماً، المشروع الغربي يتلخص بثلاث نقاط سهلة للمتابع وممتنعة لمن راودته مبادئ الغرب الأخلاقية عن عقله وصدق أن القلم الذي مزق الشرق الأوسط في بدايات القرن العشرين سيكون اليوم سلماً يوحد شذرها ومذرها بعيداً عن مصالحه ، شكسبير قال يوماً لا تصدق كل ما تراه عيناك ولا كل ما تسمعه أذناك ، وشكسبير عظيم لغات قومه وأدرى بشعاب أوربا وجملها الاستراتيجية ، هذه النقاط هي :

1- أمن إسرائيل
2- سوريا وعراق ضعيفان
3- استنزاف اللاعبين الآخرين وأقصد روسيا وايران وتركيا والخليج
4- مكاسب إعادة الاعمار

المطلب الأول تحقق، فإسرائيل تعيش أفضل حالاتها ما دام كل هذا الدمار من الفرات إلى النيل يساهم في جعلها واحة الأمان الشرق أوسطية.
أما المطلب الثاني والثالث فجاري عمل اللازم لتحقيقهما فالعراق اليوم شؤم متصل والشام أيضاً عراك متواصل أما الاستنزاف فهو عمل اليوم والغد وبعد الغد وما بعد بعد الغد ، ويكفي الأريب هنا إشارة لضخامة هجوم الغرب على ما يحدث في سوريا من عدوان مقارنة بهزالة ما يقدم لثوارها من دعم ، الغرب يعطيهم الأسلحة النوعية بالقطارة وبصورة تكفل التوازن وعدم الحسم ، أو بصورة أوضح المشروع الغربي يحرص على ألا يأكل الثوار عنب الحرية بقدر حرصه على ألا يقتلوا ” الناسور ” الروسي الذي يحرس مؤخرة الأسد، ليبقى الصراع مستمرا حتى نضوج ثمرة الاستراتيجية الغربية ، الثمرة التي عصيرها استنزاف متواصل ومستمر حتى تحقيق النقاط الأربعة الكبرى.

باختصار هو مشروع اكبر بكثير من سوريا ويحوى ملفات عابرة للقارات من الصين الي المغرب، والغرب قادر على الامساك بإطار الصورة الكبرى على رغم أنف البروايز الدولية و الاقليمية المحتجة والرافضة.

في المقال القادم بإذن الله سوف اشرح نقاط الالتقاء بين المشروعين الروسي والتركي والروسي الإيراني ونقاط التصادم بين الأتراك والإيرانيين والروس والإيرانيين، كما سأوضح حرب الغاز الخفية في سوريا وكيف سيعرقل الغرب اتفاق تركيا وروسيا وكيف سيفرض معادلته الخاصة وهل الإلياذة السورية متوجهة نحو اتفاق دايتون جديد؟ أم إنها ستتحول لأفغانستان أخرى؟

‏@bin_7egri

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.