المرحوم الأديب والمفكر والمؤرخ عبدالله بن رداس جاء من قلب البادية حاملاً معه مشعلاً من مشاعل الفكر والأدب، كتب في العديد من الأمور الفكرية والأدبية، وإنما تميز بن رداس – رحمة الله – بمؤلَّفه الشهير “شاعرات من البادية” والذي طُبع لاكثر من مرة، وذلك لأهميته وموضوعه غير المسبوق، فقد قضى المؤلف أكثر من عشرسنوات ليجمع نماذج من شعر شاعرات البادية، باعتبار أن شعر النساء وكما يقول بن رداس – رحمه الله – يحاط دائمًا بالتكتم وعدم الإذاعة، ويضيف المؤلف في مقدمة مؤلفه “شاعرات من البادية”، بأن كثيرًا ما تَنْظم المرأة الشعر فتخفيه، فيتم نسيانه، وإن عُرف فقد يُنسب إلى غير قائله خاصةً بعض الأشعار التي تتصل بالعاطفة.
وقد قسّم مؤلفنا نماذج شاعرات من البادية إلى أقسام، من غزل ووصف وغير ذلك ويضيف – رحمه الله – بأن من أهم الحوافز التي دفعته لجمع هذه النماذج الشعرية لشاعرات البادية عدة حوافز أُشير لأهمها فيما يتعلق ببنت البادية التي تتمتع بحرية واسعة في القيام بدورها الفعال في حياة بني قومها العامة، والتعبير عن أحاسيسها، فهي ترتجل الشعر وتقرضه، وتتطرق لجميع أبوابه وتتذوقه، تثيرها مواقف الشجاعة ومناسبات الكرم، ويأخذها العجب فتمدح أو تفخر، وتُبصر مواطن النقص فتهجو أو تتهكم بصراحة كاملة، وتهبط مع قومها الأسواق، وتشاركهم في الرأي والعمل، وتختار زوجها الذي ترضاه من الرجال لكفاءتة ومروءته وكرامته وشجاعته، وتعاف من قصرت همته، لا تُضام في ذلك، فضلاً عن إبراز صورة لصفات بنات البادية الحميدة من الحياء والعفة ورهافة الحس والوفاء ودقة التمييز ودور المشاركة الذي تقوم به مع أهلها وزوجها وأن بني قومها يحترمونها، ويشركونها في الأمور ذات الشان، إذا اطمأنوا لكفاءتها، وأحيانا تكون مصدر رأي في بعض الأمور الهامة.
يبقى أن أقول أيها السادة، إن المرحوم الأديب والمفكر والمبدع عبدالله بن محمد بن رداس يؤكد لنا من خلال ما أنتجه من مؤلفات أصبحت تشكل قيمة مضافة للمكتبة العربية هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يُعلمنا بأن الثقافة والفكر والأدب في حياة الأمم هي ذلك العنصر الذي يتيح للتحضر الحقيقي أن ينمو ويتفاعل ليواجه تحديات العصر، فضلاً عن أن النهضة المثالية للشعوب والأمم اقترنت دائمًا بمدى تأصيل ثقافتها ومواكبتها للتحولات المثيرة التي تُسهم في بناء الإنسان والمجتمع. غاب بن رداس وغاب التكريم الذي كان يستحقه شأنه شأن المبدعين الذين فقدوا فرصتهم في التكريم من قبل الجهات المختصة، وان غاب تكريم بن رداس سيبقى هذا الرجل الفذ في فكر وقلب وتاريخ هذة الامة شامخا يلامس السماء، رحمه الله واسكنه فسيح جناتة .
-
سامي العثمان (كاتب ومحلل سياسي سعودي)
أضف تعليق