مرت علينا في السنوات الأخيرة أحداث كثيرة غيرت شكل المنطقة وطبيعة الصراع الدولي والإقليمي فيها، إلا أنه من الواضح أن بعض المسؤولين لم يستوعبوا أو يقرأوا هذه التغيرات بشكل جيد، بما يسمح لهم بالاستفادة منها، ومع الأسف الشديد هذه هي حال مسؤولينا، ولذلك نقول: «أبشر بطول السلامة يا مجلس التعاون»!
إن لجوء عدد من المسؤولين العرب إلى بعض المؤسسات «الشكلية» القائمة يؤكد مقولة «لا طبنا ولا غدا الشر»، نعم هذا ما تعلمناه من تاريخنا الحديث، فعندما وضعنا ثقتنا المفرطة في جامعة الدول العربية، التي أسست في 22 مارس 1945، لم يكد يمضي ثلاث سنوات من عمرها حتى تم تكليف الضابط البريطاني جون غلوب، المعروف بـ «غلوب باشا» لقيادة الجيوش العربية لإنقاذ فلسطين من الاحتلال، ووقتها قام بتنفيذ اتفاق بين مسؤولين عرب وصهاينة، ضارباً بعرض الحائط قرار هيئة الأمم بتقسيم فلسطين، كما ذكر «غلوب» بنفسه في كتابه الثاني الذي لم يتجرأ أحد حتى الآن على ترجمته، لأن الوضع الرسمي العربي لا يستطيع أن يتحمل ما قاله وذكره هذا الرجل، أما كتابه الأول، لمن يريد أن يعرف، فكان حول مهمته في العراق.
وها هي الجامعة العربية اليوم، تقف عاجزة عن تقديم أي معونة، سواء كانت كبيرة أو محدودة، لدعم صمود أهلنا القابعين تحت نار الاحتلال الذي أذلنا، وطالت يداه مقدساتنا.
أما مؤسسة مجلس التعاون الخليجي، فلا داعي هنا لنعدد منجزاتها الضخمة، منجزات لم تتجاوز احتفالنا باستخدامنا البطاقة المدنية للتحرك والتنقل داخل بلداننا.
لقد عشنا نحن في الكويت المأساة بعينها، عندما وقفنا نتحسر على مسألتي التعاون والتضامن، بعدما فشلنا في نقل الغاز الذي نحتاجه من قطر التي تبرعت بتصديره، كما أن الحفلات والأهازيج التي تكثر في المناسبات الرسمية وغيرها لا تعني شيئاً، فالخلافات بين «الأشقاء» مازالت عميقة، ولعل أبرزها يكمن في المنازعات على «شبر» حدودي هنا وهناك.
فهذا الصراع الذي نشهده تنبأ به رئيس الوزراء البريطاني السابق «ونستون تشرشل» عندما رسم الخريطة الجيوسياسية للمنطقة، معتبراً أن الصراع الحدودي ضروري ومهم لبقاء النفوذ البريطاني الاستعماري في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط.
وبعد هذه المقدمة المطولة، التي قد يراها البعض مملة، أقول إن حماية المنطقة من الأخطار العالمية والإقليمية ليست بالاتجاه نحو قوى دولية والاحتماء بها، بقدر ما تكون بالاعتماد على الشعوب لتأخذ دورها في إعادة اللحمة لمجتمعاتنا بهدف تحقيق معالجات جذرية حقيقية تنقذ بلداننا، بعد أن هبت رياح الحرية والتغيير من كل صوب واتجاه، فإجراءات القمع التي نشاهدها، ومطاردة المصلحين وحرمانهم من الحياة، تعمق الأزمة لا تحلها، ولا يمكن لأي عاقل أن يتجاهل براكين الغضب التي لم تستثن أحداً.
وأخيراً، إن الشعوب دائمة والأفراد زائلون، فهذا ما يقوله التاريخ.
لله درك يا دكتور