“طرقت جارتي بابي باكية لتسألني عن القليل من ماء الشرب لإعداد زجاجة حليب لطفلها الذي لم يتجاوز الثانية، ورغم قسوة الحرب، لم أتوقع يوماً أن أعجز عن تلبية طلب جارتي البسيط هذا”، بهذه الكلمات المحملة بالأسى والعجز لخصت السورية راما الأزمة التي تعيشها دمشق.
فالعاصمة السورية التي يصف النظام السوري الحياة فيها بالطبيعية، باتت عطشى منذ سبعة أيام بسبب انقطاع المياه التام عنها.
مَن المسؤول المعارضة أم النظام؟
تعتمد مدينة دمشق وسكانها الذين فاقوا 5 ملايين على مياه نبع الفيجة، القادمة من منطقة وادي بردى، التي لا تبعد عن العاصمة السورية أكثر من 15 كيلومتراً.
ولكن صباح يوم الأربعاء 21 ديسمبر/كانون الأول 2016 استيقظ سكان العاصمة على أصوات القصف العنيف، الذي استهدف قرى الوادي، بعد أن بدأت قوات النظام المدعومة بميليشيات حزب الله اللبناني عملية عسكرية بهدف السيطرة على المنطقة الواقعة تحت سيطرة قوات المعارضة.
القصف العنيف بالبراميل المتفجرة أخرج المنشأة المسؤولة عن ضح مياه نبع الفيجة إلى العاصمة من العمل، ليضيف بذلك فصلاً جديداً إلى فصول الحرمان السابقة التي يعاني منها سكان العاصمة منذ سنين، التي تتضمن انقطاعاً للكهرباء والغاز ومحروقات التدفئة.
وقد كانت مناطق وادي بردى التي تضم النبع من أوائل الخارجين عن سيطرة النظام في عام 2012، لكن ذلك لم يؤثر على إمدادات المياه التي تغذّي العاصمة رغم عمليات القصف المتفرقة والحصار الطويل الذي عاشه سكان المنطقة.
والفيجة كلمة إغريقية تعني “عين الماء العذب”، ولمعرفة أهمية هذا النبع في تاريخ دمشق يكفي أن نشير إلى أن الرومان أقاموا حوله معبداً لآلهة الينبوع، كما بقيت آثار قناة جر المياه التي بنتها زنوبيا ملكة تدمر شاهداً على ما يشكله النبع من أهمية لدمشق ومدن المنطقة المحيطة بها.
وقد انتشرت على الشبكات الاجتماعية مقاطع فيديو تظهر فيها مياه الفيجة وقد غطت شوارع المنطقة التي استهدفها النظام.
الموت عطشاً
تقول راما (32 عاماً) التي تقيم في شارع بغداد وسط العاصمة السورية دمشق لهافينغتون بوست عربي “لم يشكل انقطاع المياه في اليوم الأول أي مفاجأة لي، فمنذ سنوات ونحن نعيش وفق خطة تقنين شبه عشوائية لكنها تضمن وصول الماء الصالح للشرب ثلاث أو أربع مرات أسبوعياً على أقل تقدير”.
غير أنها تستدرك قائلة “لكن مع تواتر الأنباء عن بدء النظام لعملية عسكرية في محيط نبع الفيجة توقعت الأسوأ”.
تضيف: “حاولنا الحفاظ قدر الإمكان على الماء الموجود في خزان المنزل، توقفنا عن الاستحمام وغسيل الملابس رغم صعوبة ذلك على عائلة لديها أربعة أطفال لم يتجاوز أكبرهم العاشرة”.
جميع محاولات راما في توفير المياه فشلت بعد استمرار انقطاع المياه.
الأزمة الحقيقية هي في المياه اللازمة للشرب وتحضير الطعام، حسب راما التي تقول إنه “في الأيام الأولى للأزمة كان الناس يستعينون بجيرانهم ممن يملكون خزانات كبيرة، لكن اليوم يمكنني وبعد وقوفي قرب النافذة لدقائق أن أحصي عشرات الأطفال ممن يحملون الأواني الفارغة ويجوبون الحي جيئة وذهاباً للبحث عن مصدر للمياه دون أن يجدوا ما يروي ظمأ عائلاتهم”.
“ملايين البشر هنا ينتظرون الأسوأ، فخلال السنوات الأخيرة جرّب السوريون كافة أنواع الموت قصفاً وجوعاً وحرقاً وكأن ما كان ينقصهم الآن هو تجربة الموت عطشاً”، حسب تعبيرها.
نتجه نحو الكارثة
“أقضي ساعات نهاري متجولاً في الشوارع بحثاً عن صهريج مياه يملأ خزانات منزلي الخاوية منذ ثلاثة أيام”، هكذا يقول غزوان (36 عاماً) المدرّس والأب لثلاثة أطفال.
ويضيف قائلا: “الحرب المستمرة منذ سنوات، والطلب الحالي الكبير على المياه رفع سعر برميل الماء من مئتي ليرة قبل سنوات إلى خمسة آلاف”.
والمياه التي يتحدث عنها غزوان ليست صالحة للشرب، ولا يمكن استخدامها إلا في عمليات الغسيل والتنظيف، أما عن الماء الصالح للشرب فإن ثمن العبوة سعة لتر ونصف اللتر ارتفع بنسبة 1000% ليصل ثمنها اليوم إلى 750 ليرة.
غزوان شرح لـ”هافينغتون بوست” الطرق التي يتبعها سكان العاصمة لتوفير المياه الصالحة للشرب منها الأمطار، قائلا: نشكر الله على هطول الأمطار في اليومين الماضيين، فلولا مياه الأمطار التي نجمعها بواسطة أوانٍ نضعها على أسطح وشرفات المنازل لكان الوضع الآن أسوأ بكثير”.
أضف تعليق