جدد المرشد الإيراني علي خامنئي دفاعه عن التدخل العسكري في سوريا، مؤكدا أن الهدف كان إبعاد «الفتنة» عن عمق الأراضي الإيرانية، في حين برر قيادي رفيع في الحرس الثوري وجود قواته في سوريا بأنه جاء لمواجهة ائتلاف الأردن وتركيا والغرب. ودخل خامنئي على خط التوتر بين رئيس الجمهورية والقضاء، مطالبًا، عبر موقعه الرسمي، بتجنب «تبادل الصراخ»، وعدم الخلط بين «العدو والصديق»، في حين أعربت «الخارجية» عن استغرابها من انتقادات طالتها من رئيس القضاء صادق لاريجاني، وتزامن ذلك مع انتقادات وجهها أمس رئيس كتلة «الأمل» الإصلاحية في البرلمان، محمد رضا عارف، بسبب خروج الخلافات السياسية من خلف الستائر إلى العلن.
وقال خامنئي، خلال لقاء بأسر سبعة من قوات «كوماندوز» الجيش الإيراني، إن التدخل العسكري الإيراني «عرقل العدو في سوريا»… وأبعد «مواجهة أهل الفتنة المدعومين من الصهيونية وأميركا في طهران وفارس وخراسان وأصفهان». وتعد هذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها خامنئي عن مشاركة قوات إيرانية لتجنب حرب داخلية في إيران، وذلك بالتزامن مع التوتر الذي تشهده البلاد عقب ارتفاع حدة التصريحات المتبادلة بين المسؤولين الإيرانيين، كما أنها المرة الأولى التي يتحدث فيها خامنئي عن قتلى الجيش الإيراني على الأراضي السورية.
ويطلق خامنئي مصطلح «أهل الفتنة» في السنوات الأخيرة على «الحركة الخضراء»، أنصار المرشحين الإصلاحيين مهدي كروبي ومير حسين موسوي، كما أنه عادة ما يستخدم المصطلح للإشارة إلى أطراف دولية تعارض سياسة النظام الإيراني في الشرق الأوسط.
ولم يوضح المرشد الإيراني طبيعة «الفتنة» التي أشار إليها في تصريحاته، لكنه عدها «وسيلة الصهيونية وأميركا».
وخلال السنوات الخمس الماضية، شكلت تصريحات قادة الحرس الثوري بشأن ربط دور إيران في سوريا بمشكلات داخلية تساؤلات في الرأي العام الإيراني، كما أن الحديث عن تصدير الثورة الإيرانية، ودعم حلفاء طهران تحت لواء «المقاومة»، شكل جزءًا آخر من جملة الدلائل التي ذكرها قادة الأجهزة العسكرية، وعلى رأسها قادة الحرس الثوري.
وردًا على مخاوف إيرانية بشأن الثمن الذي قد تدفعه إيران في الحاضر والمستقبل بسبب دورها العسكري في عدة مناطق، خصوصًا سوريا والعراق، شدد قادة الحرس الثوري منذ 2011 على أن التدخل أبعد سيناريوهات الحرب من المدن الإيرانية، كما تفاخر قادة الحرس الثوري بجعل إيران «جزيرة ثبات في منطقة مشتعلة».
وقبل أسبوع، قال مساعد مخابرات الحرس الثوري حسين نجات، إن قرار فرض الإقامة الجبرية على زعماء «الحركة الخضراء» لم يكن على صلة باحتجاجات الحركة في طهران، مضيفًا أنه جاء نتيجة دعواتهم للخروج في تظاهرات تضامنًا مع «المعتقلين» السوريين.
وكان إعلان مساعد قائد «البرية» في الجيش اللواء علي آراسته، بداية أبريل (نيسان) الماضي، عن إرسال قوات خاصة من اللواء 65، قد أثار جدلاً واسعًا في البلاد، ولم يمض أسبوع حتى أعلن الجيش عن أول حصيلة لقتلى القوات الخاصة التابعة للجيش، بتأكيد مقتل أربعة من ضباطه في معارك جرت في ضواحي حلب، لكن الإعلان أظهر أن قوات الجيش لم تنحصر باللواء 65 المدرع، وإنما شمل وحدات أخرى من القوات الخاصة في الجيش الإيراني.
وكشف إعلان الجيش رسميًا عن سقوط قتلى عمق التدخل العسكري الإيراني في سوريا، خلافًا لما تدعيه طهران في مواقفها الرسمية عن القيام بـ«دور استشاري بطلب رسمي من دمشق».
آنذاك، حاول قائد الجيش عطاء الله صالحي التنصل من دور مباشر للجيش في إرسال تلك القوات، معلنًا مسؤولية جهاز آخر عن إرسال الوحدات الخاصة في الجيش، من دون تحديد الجهة، قبل أن ينهي جدل الجهة المسؤولة مساعد قائد «البرية» في الجيش كمال بيمبري، بتأكيده أن إرسال قوات الجيش جرت بأوامر مباشرة من خامنئي.
وفي تصريحات مشابهة لخامنئي، قال قائد الوحدة الصاروخية في الحرس الثوري أمير علي حاجي زادة إنه لو لم يتدخل الحرس الثوري في سوريا لكان «يواجه العمليات الانتحارية في المدن الإيرانية».
وربط حاجي زادة الأمن في بلاده بـ«قوة المعلومات المخابراتية، وأخذ خصوم إيران على محمل الجد». وأوضح، خلال كلمته أمس بمدينة شيراز (وسط إيران) في مؤتمر تكريمي لقتلى مخابرات الحرس الثوري، أن معركة حلب الأخيرة كانت مواجهة من إيران «ضد ائتلاف تركيا والأردن والدول الغربية»، وفق ما ذكرته وكالة «تسنيم».
وفي هذه الأثناء، جدد حاجي زادة تشبيه أهمية مدينة حلب بمدينة المحمرة، العاصمة التاريخية لإقليم عربستان (الأحواز)؛ وكانت معارك شرسة قد دارت بين إيران والعراق للسيطرة على المدينة في 1982. وقال حاجي زادة إن العملية العسكرية في حلب كانت أشرس على الإيرانيين من العملية العسكرية في المحمرة «لأنها حظيت بدعم غربي واسع»، حسب زعمه.
داخليًا، نشر موقع خامنئي مقتطفات من خطاب سابق، في بداية نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، بشأن الخلافات الداخلية بين كبار المسؤولين. وجاء نشر الاقتباس في إشارة ضمنية لموقفه من النزال المفتوح بين رئيس الجمهورية ورئيس القضاء. وبحسب التصريح، فإن خامنئي يطالب المسؤولين الإيرانيين بوقف تبادل «الصراخ»، مضيفًا أن «الخميني كان يؤكد دومًا على إطلاق كل الصرخات ضد أميركا حتى لا نقلل من تبادل الصراخ ضد بعضنا»، ويشير خامنئي في تلك التصريحات إلى أنه «لا يعارض النقد، لكنه يطالب بعدم الخلط بين العدو والصديق لأن الأعداء في مكان آخر».
ووفق ما ورد في اقتباس موقع خامنئي، فإنه يدعو إلى ضرورة تصدير الأزمات الداخلية إلى خارج إيران، كحل يتجنب فيه النظام السقوط إلى الهاوية. ويرى كثيرون في إيران أن الضغوط ضد روحاني جزء من تقليد مارسه خامنئي على مدى سنوات وصوله إلى منصب المرشد، لتضعيف دور الرئيس وتقويض صلاحياته. وبحسب هذا الاتجاه، فإن خامنئي يقبل بروحاني «ضعيف» رئيسًا لدورة انتخابية ثانية.
وعلى مدى الأيام الماضية، أشارت وسائل إعلام إيرانية إلى حالة ترقب تسود الشارع الإيراني، وتوقعات بتدخل خامنئي للفصل بين معسكر روحاني وفريق لاريجاني في القضاء. وقد تدخل خامنئي في عدة مناسبات لوضع نهاية لخلافات المسؤولين التي تخرج من السرية إلى العلن، ويتفاعل الرأي العام الإيراني معها، ولعبت مواقف خامنئي دورًا أساسيًا في عودة تلك الخلافات إلى خلف الستار قبل أن تدخل مسارات تخرج الأوضاع من قبضة النظام.
في السياق نفسه، عمقت تصريحات المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور واللجنة التنفيذية للانتخابات عباس كدخدايي، أول من أمس، الشكوك حول احتمال «رفض أهلية» روحاني في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ورد كدخدايي بوضوح على سؤال شغل الإيرانيين في الأيام الأخيرة، على ضوء الخلافات الداخلية، حول إمكانية «رفض أهلية روحاني»، وإبعاده من الانتخابات، وقال إنه لا توجد ضمانات لتأييد «أهلية» أي رئيس جمهور للترشح في الانتخابات الرئاسية.
يذكر أن طهران رفضت في انتخابات 2013 «أهلية» رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام علي أكبر هاشمي رفسنجاني، ومساعد الرئيس السابق اسفنديار رحيم مشائي، ووزير الخارجية الأسبق منوشهر متكي.
ونقلت صحيفة «شرق» الإصلاحية، أمس، عن المنظر الإصلاحي عباس عبدي قوله إن «من يرددن هذا الكلام لا يدركون النظام بشكل جيد، ويعتقدون أن صانع القرار مغفل حتى يقدم على رفض أهلية روحاني»، وتابع أن «النظام ذكي، وبسبب ذلك تجاوز أسوأ الأوضاع والأزمات، وحتى الآن تمكن من فعل ذلك. لكن إذا توصل النظام إلى قناعة بأبعاد روحاني من سباق الرئاسة، فروحاني نفسه لن يترشح، بدلاً من الترشح ورفض أهليته».
بدورها، أصدرت الخارجية الإيرانية بيانًا، ردًا على انتقادات أخيرة من القضاء تتهمها بالإهمال في متابعة ملف التاجر بابك زنجاني، وأعربت عن استغرابها من توجيه هذه الانتقادات، وقالت إنها تعاونت مع القضاء بشكل مستمر في القضية المشار إليها.
كان رئيس القضاء صادق لاريجاني قد قال بنبرة تهكمية إن انشغال الخارجية بالمفاوضات النووية شغلها عن قضايا أخرى، مثل متابعة ثلاثة مليارات من أموال النفط الإيراني التي سيطر عليها التاجر بابك زنجاني. وفي المقابل، أعربت الخارجية عن «استيائها تجاه التهكم على جهود بذلها الفريق الدبلوماسي في المفاوضات».
وفي سياق متصل، انتقد رئيس كتلة «الأمل» الإصلاحية في البرلمان الإيراني محمد رضا عارف خروج الخلافات السياسية إلى العلن، وتداولها في وسائل الإعلام في وقت «يمكن الوصول إلى مخرج منها في اجتماع بين المسؤولين»، مشددًا على أن السياسة العامة في النظام هي «عدم تسريب الخلافات لوسائل الإعلام قدر الإمكان»، وفق ما ذكرته عنه وكالة «ايسنا».
وفي غضون ذلك، أطلق رضا صالحي أميري انتقادات لاذعة إلى خصوم الحكومة الإيرانية، وعلق أمس على احتدام الخلافات بين الحكومة والقضاء بقوله: «ما ذنب الشعب أن يعيش تحت قصف تبادل التهم والافتراء والشائعات؛ يجب استغلال المنابر الرسمية لنشر الأخلاق».
ونقل موقع صحيفة «إيران»، الناطقة باسم الحكومة، عن أميري قوله إن «من يهاجمون الحكومة المنتخبة من الشعب، ويحاولون الشقاق بين الحكومة والنظام، ينحرفون في التحليل»، مشددًا على أن نجاح النظام غير ممكن من دون نجاح الحكومة، وتابع أن «فترة الاتهامات والتخريب والثأر قد أشرفت على النهاية، وحان دور الفضيلة والأخلاق».
أضف تعليق