كشف هجوم زعيم القاعدة أيمن الظواهري عن عمق الصراع مع “داعش”، حول “التكفير” و”الجهاد” والموقف من الأنظمة الحاكمة في الدول العربية والإسلامية، ومناطق النفوذ والأموال، حتى وصل الأمر إلى حد أن التنظيمين يكفران بعضهما بعضًا.
وتصاعدت حدة الصراعات مجددًا بين تنظيمي “القاعدة” و”داعش”، إلى الدرجة التي أخرجت تنظيم القاعدة أيمن الظواهري عن صمته، وبث رسالة صوتية، هاجم فيها نظيره زعيم تنظيم “داعش” أبو بكر البغدادي، متهمًا إياه بـ”الكذب” و”الافتراء” على القاعدة؛ بغية تشويه صورتها وعملها “الجهادي”، وزعم أن “الأولوية في الجهاد يجب أن تكون لضرب أميركا”، على حد قوله.
وأضاف الظواهري في رسالة بعنوان “رسالتنا لأمتنا: لغير الله لن نركع”، أنه “قامت على المجاهدين ـ ومنهم جماعة قاعدة الجهاد- حملة تشويه وتخويف وتنفير، وكان ممن شارك في هذه الحملة للأسف كذابو إبراهيم البدري”، في إشارة إلى أبي بكر البغدادي. واصل هجومه على البغدادي، قائلًا: إن “من يكذب علينا زعم أننا لا نكفر بالطاغوت، ونلهث خلف الأكثرية، ونمدح محمد مرسي، (الرئيس المصري المعزول)، ونصفه بأنه أمل الأمة وبطل من أبطالها؛ بل وتمادوا وزعموا أني أدعو إلى أن يكون النصارى شركاء في الحكم”.
كشف الظواهري عن اتصالات بين التنظيمين، ومحاولة “القاعدة” احتواء “داعش”، وأن يعمل وفقًا لمنهجه. فقال: “زعموا أننا لا نكفِّر الشيعة، مع أننا أرسلنا إليهم وثيقة – توجيهات عامة للعمل الجهادي – قبل نشرها بعام، فلم يعلقوا عليها بكلمة، وأرسلت إليهم مرات عدة نصائح بترك التفجيرات في الأسواق والحسينيات والمساجد، والتركيز على قوات الجيش والأمن والشرطة والميليشيات الشيعية، فلم يعترضوا بكلمة”.
كما كشف أن الخلاف بينهما جاء على خلفية الصراع على النفوذ والمال، وقال الظواهري: “لكن، لما وقفنا في وجه أطماعهم وتجرّؤهم على الدماء، زعموا أننا لا نكفّر الشيعة، وننهى عن قتالهم، مع أني في أحد الخطابات، نقلت إليهم أقوال أئمة السُّنة في عوام الشيعة، وكتبت لهم الأمر بمهاجمة قوات الجيش والشرطة والأمن العراقية، الذين معظمهم من الشيعة، وكذلك ميليشيات الشيعة، وجعلت هذا الأمر بلون داكن، ووضعت تحته خطًا؛ حتى لا يشتكي أحد من ضعف البصر، ولكن ما الحل في ضعف البصيرة”، على حد قوله.
تساءل الظواهري: “إذا كان الخوارج قد كفّروا الصحابة وقاتلوهم، وإذا كان الحجّاج بن يوسف – قدوة متقاعدي ضباط جيش صدام واستخباراته الذين عقدوا الخلافة لإبراهيم البدري – كان يقتل من لا يشهد على نفسه بالكفر من خصومه في الكوفة، فهل سننجو نحن من الافتراء الذي لم ينج منه الأنبياء؟”.
ودعا الظواهري إلى مهاجمة أميركا وحلفائها، وقال: “دعوة إلى مجاهدي أمتنا إلى أن يجعلوا جهاد العصر، أميركا وحلفاؤها أولويتهم المقدمة، ما استطاعوا لذلك سبيلًا، مع مراعاة ظروف كل ساحة جهادية بما يحقق مصالح الجهاد”.
كما دعا إلى مهاجمة إسرائيل وروسيا والهند وأسبانيا والصين، وقال: “إحياء فريضة الجهاد بين الأمة المسلمة لتحرير ديارها من احتلال الكفار الأصليين وعملائهم المرتدين.
ورفض كل معاهدة أو اتفاقية أو قرار دولي يمنح الكفار حق الاستيلاء على ديار المسلمين. كاستيلاء إسرائيل على فلسطين، واستيلاء روسيا على وسط آسيا والقوقاز، واستيلاء الهند على كشمير، واستيلاء إسبانيا على سبتة ومليلية، واستيلاء الصين على تركستان الشرقية”.
وطالب الظواهري بـ “الامتناع عن إيذاء المسلمين، وكل من تحرّم الشريعة العدوان عليهم، بتفجير أو قتل أو خطف أو إتلاف مال أو ممتلكات”، مشيرًا إلى ضرورة “الانتصار للمظلومين والمستضعفين، مسلمين أو كافرين، ممن ظلمهم واعتدى عليهم، وتأييد وتشجيع كل من يساندهم، ولو كان من غير المسلمين”.
تبدو جلية أخيرًا الصراعات عميقة بين تنظيمي “القاعدة” و”داعش” على النفوذ والمال والتحدث باسم “الجهاد الإسلامي”، وقال محمد الرفاعي، الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، إن الخلافات الظاهرية بين التنظيمين تبدو خلافات فقهية على أولويات الجهاد.
وأشار إلى أن كلاهما يستحلّ دماء الأبرياء، لكن الخلاف بينهما حول أولوية القتل والقتال، هل تكون للحكام والأنظمة في الدول العربية والإسلامية، باعتبارهم “العدو القريب”، وأن يتم القضاء عليهم، ثم التفرغ لـ”العدو البعيد”، وهو إسرائيل وأميركا والغرب، أم يكون بقتال أميركا والغرب أولًا، ثم التفرغ للأنظمة الحاكمة؟. ولفت إلى أن هناك خلافات بين التنظيمين حول قضايا “التكفير” و”الولاء والبراء” و”الشيعة” والموقف من وجماعة الإخوان، وحكم الرئيس المصري السابق محمد مرسي، ووصل الأمر إلى حد أن كلاهما يكفر الآخر، ويستحلّ دم أتباعه، مشيرًا إلى أن هذه الخلافات تحولت إلى صراع على النفوذ والأرض والأموال، والتحدث باسم “الجهاد” الإسلامي.
وذكر أن هناك حالة من الغيرة تنتاب قيادات تنظيم القاعدة، بسبب تصاعد نفوذ “داعش”، وسحب البساط من تحت أقدام “القاعدة”، لاسيما في المناطق الغنية بالنفط، ومنها العراق وسوريا وليبيا. سباق دموي بينما قال مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة، التابع لدار الإفتاء المصرية، إن رسالة الظواهري، “تعكس تعطش التنظيمين الإرهابيين وتسابقهما لمزيد من إراقة وسفك الدماء، في إطار سعيهما الدؤوب إلى نشر الدمار والخراب في كل مكان في العالم وصراعهما على نسبة العمليات الإجرامية إلى كل منهما”.
ودعا المرصد “دول العالم كافة إلى وحدة الصف وتفعيل دعوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بضرورة التعاون والتكاتف التام على مستوى العالم لاستئصال جذور الإرهاب والعنف”، مشيرًا إلى أنه “لا سبيل أمام العالم لمواجهة هذه التنظيمات الدامية إلا من خلال وحدة الصف”.
كما حذر المرصد من “سعي كلا التنظيمين الإرهابيين إلى تنفيذ عمليات إجرامية وإرهابية جديدة، ليثبت للآخر جدارته برفع “راية القتال”، في إطار سباقهما الشديد لإراقة وسفك المزيد من دماء الأبرياء في مختلف دول العالم”.
أضف تعليق