خلال الثورات العربية التي اجتاحت الوطن العربي، أصبحنا نسمع كثيرا عن كلمة وعاظ السلاطين في الشاردة والواردة وذلك بسبب خنوع بعض علماء الدين والمفتين التابعين لهؤلاء الطغاة والذين برروا كل عمل إجرامي يقوم به الطغاة ضد شعوبهم، بل أن البعض ممن انتسبوا للدين والدين منهم براء، قد جيّر الدين والافتاء لصالح الطغاة خوفا منهم أو تقربًا للحياة الدنيا على حساب الآخرة ! .
فالخائفون من هؤلاء العلماء لن يشفع لهم خوفهم عند الله أولا ولا عند الشعوب ثانيًا .. فالمفتي أو العالم مادام حمل وزر الأمة من خلال قبوله بالإفتاء حسب شرع الله وسنة رسوله فلابد أن يواجه مصيره الذي اختاره بيده، فإما أن يتقبل الصعاب في ذلك ، أو على الأقل يتنحى إذا عجز عن احقاق الحق لأنه يحمل أمانة موروثة من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
لذلك نجد كلمة وعاظ السلاطين أصبحت تهمة ملتصقة على جبين الذين ذكرناهم من الوعاظ الذين خانوا الأمانة واغفلوا نصوص الله في ردع الظلم والظالمين، ولكن للأسف هذه الكلمة باتت تستخدم بغير مفهومها و تهمة ترمى على الكل من العلماء والمفتين إذا كان هوى راميها لا يتوافق مع آراء العلماء والمفتين ! .
لذلك أنا بإعتقادي أن أصل كلمة وعاظ السلاطين ليست تهمة بحد ذاتها ، ولا يجوز لنا أن نجعل منها تهمة أو جريمة أو شتيمة .. فوعاظ السلاطين بشكلها العام نبيلة المعنى والعمل، والدليل على ذلك العالم الجليل “رجاء بن حيوة” كان من الوعاظ الفصحاء وقد لازم الخليفة الأموي الزاهد عمر بن عبدالعزيز طوال مدة خلافته ولم يعيبه أنه واعظ الخليفة عمر، ومن يبحث في كتب التاريخ سيجد وعاظ أجلاء لازموا بعض الخلفاء وكان لهم أثر واضح عليهم .. ولا ننكر أيضا بأن هناك وعاظا كسفيان الثوري رحمه الله عندما طلب صحبته الخليفة العباسي المهدي بالله رفض سفيان طلبه كما رفض الهدايا التي اعطيت له من الخليفة لاستمالته.
لذلك أحببت أن أوضح وجهة نظري في كلمة وعاظ السلاطين بشكل عام، وبأنها مسألة يجب أن لا تؤخذ بالعموم، فَكُلٌ موكول لطبيعته سواء العالم الواعظ أو عالم السلطان .. مع أني ما زلت أعتقد بأن السلطان أو الملك أو الأمير أو الرئيس لابد من واعظ عالم في الدين وفقيه بالأحكام يلازمه طوال حكمه فلعل وعسى أن يأتي بموعظة حسنة يكون الشعب في حاجة ماسة لها فيعمل بها السلطان ويُرى أثرها على الشعب، والشاهد على ذلك الفضيل بن عياض رحمه الله قال: (لو كانت لي دعوة مستجابة لجعلتها للسلطان) وهذا دليل بأن صلاح السلطان من صلاح الشعب.. والصلاح من الله بدون شك، ولكن الإنسان دائما يحتاج للموعظة بين حين وحين فما بالك بالسلاطين ممن يرعون مصالح الشعوب وشؤونهم.
أضف تعليق