على الجماعات السياسية الداعية لتحميل الوافدين، دون غيرهم، أعباء الحالة المالية المتردية بالدولة أن يخففوا من ضوضائهم، ويكفوا عن ذلك الطرح العنصري المتعالي، وكأن الوافدين، بكل تصنيفاتهم الوظيفية، هم من يغلق أبواب العمل والرزق بوجه الكويتيين، وأن تحويلاتهم المالية لأسرهم هي سبب الوضع الاقتصادي السيئ. منذ لحظة ظهور بوادر أزمة أسعار النفط وانخفاض المصدر المالي شبه الوحيد للدولة والجماعة “الترومبيون” الكويتيون أو الخليجيون (نسبة لترامب) عيونهم على الوافد وعمله، وكأن هذا الوافد أزاح ابن البلد ليستولي على فرصة عمله ومستقبل رزقه!
حدثوا العاقل بما يعقل، واخبرونا أي الأعمال والوظائف التي استأثر بها الوافد وسحبت من فرصة عمل المواطن؟ هل هذا الوافد (أو الوافدة) هو البنغالي أو السيلاني أو الآسيوي بوجه عام الذي يكنس شوارعكم ويلم قماماتكم ويخدمكم في منازلكم من ترتيب أسرّة نومكم حتى تحضير وجباتكم هو الذي سد أبواب رزقكم؟ وهل هو من عمال البناء أو أصحاب الحرف المختلفة، بكل أشكالها وألوانها، بعد أن أبعدكم عن مهنكم التاريخية؟ وهل هو من الأطباء والممرضين والممرضات الأجانب الذين يعالجونكم ويسهرون على صحتكم وراحتكم في المستشفيات هم الذين يُراد إبعادهم؟ وكيف يمكن أن نتقبل، على سبيل الجدل، حالة هذا الطبيب الأجنبي حين يصف لك دواء لا يمكنه أن يصرفه لنفسه أو لابنه، ويدفع سعر خدمة طبية عالية، في حين يعلم أنها من دون ثمن لابن الوطن؟! قيسوا على ما سبق ذكره معظم المهن والحرف التي لا يمكن أن يستغني عنها “ابن الوطن”، وفي الوقت ذاته يرفض العمل بها ويعتبرها امتهاناً لكرامته ووضعه الخليجي المتميز.
أين نبدأ وأين ننتهي مع الحالة “الريعية” بالدولة؟ وماذا أنتجت لنا من جماعات ونخب بائسة تصر على تحميل الآخرين وزر تراخي وإهمال حكومات متعاقبة كرَّست بعمد وسبق إصرار مفهوم المواطنة الاتكالية على عمل الغير، وحصرت العمل في المهن الإدارية البحتة في قطاع عام مترهل وكسلان ببيروقراطية قاتلة، حتى أصبحت الوظيفة العامة في معظم إدارات الدولة ليست تقديم خدمة عامة، وإنما تسهيل ارتزاقي وكسب مالي دون عمل حقيقي منتج.
على هذه الجماعات التي تصر على ترويج الوهم والرياء، بصرف نظر الناس وتغييب وعيهم بكذبة عمل الوافد بالدولة أن يراجعوا طروحاتهم في تشخيص المرض الخليجي، المتمثل في نظامه السياسي أولاً، ثم الاجتماعي بالتبعية، فنتائج دراسة الإدارة المركزية بالإحصاء (جريدة الراي عدد الأمس) أظهرت أن 3 في المئة فقط من العاطلين عن العمل الكويتيين يقبلون بالعمل في “الخاص”، وأن الأغلبية 58 في المئة تفضل العمل الحكومي. مصيبتنا هنا في دولنا النفطية ليست هي عمل الوافد، الذي يحمل على كتفيه ثقل إرث نظام “الكفالة”، كأبشع وجه لحالة عبودية مخجلة قننتها الدولة رسمياً يرتزق منها الكثيرون، إما عبر الاتجار بالإقامات والتكسب منها، أو بالتواكل والاعتماد كلياً من الإسبرطيين المحليين على عمل العبيد الأجانب، إنما هي سياسة الخداع وعدم مواجهة الواقع بغطس الرؤوس بالرمال عندما يمارسها البعض، فيما نواجه أعمق وأخطر التحديات الاقتصادية بالدولة.
ليس هناك ما يمنع أن تغلق الدولة أبوابها وترحل معظم “الوافدين”، كي تتيح فرص العمل لابن البلد، وليخبرنا حصفاء المزايدات السياسية عندها كم يوماً سنبقى أحياء من دون أن نخيس ونفطس في أماكننا…!
مناشدة والدي من فئة البدون ومحتاج زراعة كبد ونرجو المساعدة في تكاليف العمليه في الخارج https://t.co/ERReg1x4QT