اقتراح النائب وليد الطبطبائي بترحيل المدرس الأجنبي الذي يعطي دروساً خصوصية، وفرض غرامة تصل إلى 1500 دينار، مثال فذ على الطرح الشعبوي بتفريغ شحنة اليأس والقلق من الوضع المالي على الوافدين، وتحميلهم دون غيرهم عبء تكلفة التدهور الاقتصادي، مثل تلك الدعوات المضمرة أو الصريحة لترحيل الوافدين بحجة تكلفتهم على ميزانية الدولة من ناحية، وأنهم يستغرقون فرص العمل عن المواطن، لن تغير من الواقع شيئاً، فستظل الكويت وبقية دول الخليج معتمدة لفترات قصيرة أو طويلة على عمل الوافد، وان كل الحديث عن “تعديل التركيبة السكانية” وإحلال المواطن مكان الوافد في سوق العمل هو خواء وأوهام إعلامية يتم ترويجها للاستهلاك السياسي لا أكثر.
كانت الفكرة الأساسية في الدولة بعد تدفق الثروة النفطية في بداية الخمسينيات بالاستعانة بالوافدين هي أنهم أكثر احترافاً وأقل تكلفة من المواطنين الذين كانت مؤهلاتهم التعليمية بسيطة في ذلك الوقت، كان التصور في ذلك الزمن أن الاستعانة بعمل الوافد هو مؤقت ولفترات محددة، حتى يكتسب ابن البلد الخبرات اللازمة بالتعليم والممارسة، وبعدها سيتمكن من سد النقص في سوق العمل بالقطاع العام أو الخاص.
الذي حدث هو تمدد المرض الريعي بدول المنطقة، أي توزيع دخول النفط على المواطنين، تنفيذاً للعقد الاجتماعي الضمني بين الحكام والمحكومين بأن يستأثر الحاكم بالحكم دون مشاركة سياسية مقابل ضمان صمت وولاء المواطن وقبوله بهذا العقد حين تصبح الجنسية الوطنية أداة كسب وارتزاق من الدولة، وهي العوض والمقابل بين طرفي العقد، على ذلك، وبصورة مجملة يصبح الأجر مقابل الجنسية وليس مقابل العمل، وأصبحت قيم العمل والإنتاج لا معنى لها طالما أن الأجر مضمون بكل الأحوال، وبالتالي أضحت الاستعانة بالوافد حالة دائمة لا يمكن الاستغناء عنها وليست مؤقتة.
من الحال الريعي تولدت أمراض الاتكالية على عمل الغير، وهذا الغير هو “الوافد” في الكثير من الأحوال، هذا الوافد هو الفني والمستشار والطبيب والمدرس والممرض، الذي يقوم بالعمل في القطاع العام، وهو الذي ينجز ولا يشتكي، ويقبل بالأجر المتواضع في القطاع الخاص، فهو عامل البناء أحياناً، وهو في أحايين أخرى الكهربائي ومعلم الصحي والنجار والخباز، وغيرها من حرف ومهن لا يمكن الاستغناء عنها، وهو الخادم والخادمة في المنزل يطبخ ويكنس ويعتني بالأطفال.
مع حالة الريع هذه وما رافقها من غياب الرؤية التشخيصية للواقع المريض للإدارة السياسية، تم استيلاد كل أشكال الفساد من محسوبيات وشللية ورشا وغياب روح المسؤولية وفكرة الثواب والجزاء في حياتنا، وأخطر أمراضنا اليوم من هذا الريع هو قيم العمل تحديداً.
الآن مع أزمة برميل النفط يوجد واقع جديد، وتحد كبير أمام السلطة السياسية والناس، يملي تغيرات وتضحيات اجتماعية كبيرة في نهج الحياة، لا أتصور حتى هذا اللحظة أن هناك استعداداً لها لا عند السلطة ولا من الناس، ويبقى آخر الأمر الحديث عن إصلاح التركيبة السكانية وطروحات نواب “أنا الخليجي” الشوفينية مجرد مواضيع تصلح لمسلسلات رمضانية سمجة.
أضف تعليق