أبرزت صحيفة “الجريدة” في افتتاحياتها اليوم ما طرح في الفترة الأخيرة من قبل بعض النواب عن إصلاح التركيبة السكانية، وعلاقة ذلك بالوافدين وزيادة عددهم.
وقال الصحيفة إن التسابق المحموم والطروحات المتداولة هذه الأيام، كفرض ضرائب ورسوم بأشكال مختلفة، لن تمثل حلاً، بل تأتي كنفس عقابي غير مكتمل النمو، وتدخل ضمن الشعارات الشعبوية، المفيدة انتخابياً، كما أن الاندفاع الترقيعي نحو تحميل الوافدين أوزار العجز الحكومي والنيابي، المتمثلة في إشكاليات التركيبة السكانية المعوجة.
وفيما يلي نص افتتاحية “الجريدة”:
فجأة وبدون مقدمات طفت على الساحة أفكار وأقاويل نيابية وحكومية تستهدف الضغط على الوافدين، بهدف إصلاح التركيبة السكانية البائسة المضروبة منذ زمن طويل. كان تعديل التركيبة السكانية ومازال، بحد ذاته، هدفاً مستحقاً، وهو على أي حال كان هدفاً لكل خطط التنمية قاطبة دون استثناء، ولم تنجح منها خطة واحدة.
ومن المفارقات أن أقرب نسبة لتعديل التركيبة السكانية جاءت بعد الغزو مباشرة، إذ زادت نسبة الوافدين على الخمسين في المئة بقليل، ولم يتم الحفاظ عليها، بل فُتحت أبواب البلاد على مصاريعها لآفات تجار الإقامات المتنفذين، وسوء الإدارة الحكومية، وضعف الرقابة البرلمانية.
إن التسابق المحموم والطروحات المتداولة هذه الأيام، كفرض ضرائب ورسوم بأشكال مختلفة، لن تمثل حلاً، بل تأتي كنفس عقابي غير مكتمل النمو، وتدخل ضمن الشعارات الشعبوية، المفيدة انتخابياً، كما أن الاندفاع الترقيعي نحو تحميل الوافدين أوزار العجز الحكومي والنيابي، المتمثلة في إشكاليات التركيبة السكانية المعوجة، وكأنها قضية برزت الليلة أو البارحة، مع إظهار الشرفاء منهم وكأنهم مجموعة من العابثين بأمن البلاد، أو كأنهم دخلوها خلسة أو عنوة، أو اقتحموا حدودها دون حسيب أو رقيب، انفلات في النظرة الاتهامية والتمييزية ضد الوافدين بمجملهم دون تفرقة، في نمط مقيت لا يتماشى مع ما جبلت عليه الكويت منذ الأزل من قيم إنسانية.
إن أفكاراً كهذه ربما هي التي دفعت الكويت للتراجع في مناشط كانت هي السباقة إليها وفيها، وهي التي ميزها، ولايزال، استيعابها وقدرتها على قبول الآخر منذ القدم، العربي والأجنبي، والمسلم وغيره، تلك هي الحقيقة التي جعلت الكويت منارة ثقافية، ورمزاً للتسامح، وتلاقح الأفكار، ونهوض البلاد نهضة شهد بها القاصي والداني.
ولسنا هنا بحاجة إلى التذكير بدور الوافدين في بناء بلادنا ورفدها بالجيد من الخبرات في كل المجالات، حتى في زمن لم تكن البلاد بحالة اقتصادية جيدة، ولا أدل على ذلك من البعثة التعليمية الفلسطينية للكويت سنة 1936 التي كانت عاملاً لذلك الوجود الإيجابي.
نعم هناك حاجة ماسة إلى التعامل مع معضلة، بل مأساة التركيبة السكانية، إلا أن تلك الحاجة لا يمكن لها أن تتحقق من خلال شعارات شعبوية مدغدغة للمشاعر، بل في إطار تصور متكامل يحترم كرامة الناس، ويعكس بصورة واضحة التزام البلاد بالاتفاقيات التي صادقت عليها، وخصوصاً اتفاقيات منظمتي العمل الدولية وحقوق الإنسان.
إن الشعارات المطروحة لا تعالج خلل هذه المشكلة، بل تُدْخل المجتمع في فوضى عارمة من الحلول الترقيعية، التي لن تزيد التركيبة السكانية البائسة راهناً إلا بؤساً أكثر مما هي عليه. ولن تؤدي تلك الشعارات المجتزأة إلا إلى مغادرة الكفاءات البلاد، لأن لديها بدائل للعمل في أماكن أخرى، وسنظل رهينة من سيبقى من العمالة غير الماهرة التي لا تملك بدائل.
إن التعامل مع البشر الذين جاؤوا إلى هذا البلد قاصدين الرزق الكريم، والإسهام في تنميته، باعتبارهم مستوطنين، أو ركاماً يجب التخلص منه، أمر يخالف المواثيق الدولية التي صادقت عليها الكويت، ويتعارض مع المبادئ الإنسانية التي جبل عليها المجتمع الكويتي، والتي ازدهر بسببها.
ليس من المفيد، بل هو من أكبر الضرر على البلاد، التعرض بدونية وعنصرية لإخوتنا الذين جاؤوا ضمن قنوات رسمية، ويساهمون في تعزيز مكانة البلاد بإخلاص والتزام بقوانينها وقيمها.
لن تتم معالجة التركيبة السكانية بعزل فئات الوافدين ومعاقبتهم، ولن تتم من خلال العمل المستعجل والشعارات الشعبوية، بل عبر برنامج شامل يقوم على وضع تصور تدريجي تتم صياغته بأناة، ومراقبة تنفيذه بفعالية ودأب، أما الهبَّات الوقتية فلن تزيد تلك التركيبة إلا مزيداً من التشوه وسوء المنقلب.
يا روحي انت يابوشعارات شعبوية .. !