كشفت اعترافات سفاح رأس السنة، منفذ هجوم نادي «رينا» في منطقة أورتاكوي الساحلية في إسطنبول عبد القادر ماشاريبوف المكنى «أبو محمد الخراساني» بعد سقوطه في أيدي الأمن التركي، عن حقائق مثيرة أكدت انتماءه إلى تنظيم داعش المتطرف وتدريبه في معسكرات تنظيم القاعدة في العراق والطريقة التي دخل بها عبر حدود تركيا الشرقية مع إيران، وأن هدفه لم يكن النادي وإنما ميدان تقسيم في وسط إسطنبول، الذي غيره واختار «رينا» بدلا منه قبل ساعتين وربع الساعة فقط من الهجوم الدامي – الذي أوقع 39 قتيلا و65 مصابا غالبيتهم من العرب والأجانب – لاعتبارات خاصة بالتشديد الأمني في تقسيم ليلة رأس السنة، كما كشف عن أنه عاد لقيادة «داعش» في الرقة ووافقوا له على تنفيذ العملية في النادي الأقل أمنا، كما شنت أجهزة الأمن التركية حملات على خلفية القبض عليه أوقفت فيها 36 من المشتبهين بالانتماء لـ«داعش» في كل من بورصة وإزمير وقونية منهم 27 على علاقة بهجوم النادي ومنفذه.
واللافت أن لقطات لمعاينة السفاح ماشاريبوف كانت قد ظهرت عقب تنفيذ جريمته وهو يتجول في ميدان تقسيم وكأنه يلتقط صور «سيلفي» لكن أجهزة الأمن لم تتمكن من تحديد موعد التقاطها وقد أدلى في اعترافاته أنه أرسلها إلى قائده المدعو «المعلم عكا» في الرقة المعقل الرئيسي لـ«داعش» في سوريا.
ونقلت وسائل الإعلام التركية، أمس، عن مصادر التحقيقات أجزاء من إفادة ماشاريبوف عقب القبض عليه في مداهمة شقة في مجمع سكني في حي أسنيورت غرب إسطنبول اختبأ بها ومعه عراقي ومصرية وسنغالية وصومالية، بعد 16 يوما من الملاحقات عقب الهجوم الدامي.
وذكر مشاريبوف المكنى «أبو محمد الخراساني» في اعترافاته الأولية للشرطة أنه تلقى تدريبات عسكرية في معسكرات «القاعدة» في العراق، ومن ثم انضم إلى صفوف تنظيم داعش وتم تكليفه بتنفيذ عملية إرهابية داخل تركيا ليلة رأس السنة.
وأضاف مشاريبوف أنه قدم إلى تركيا في يناير (كانون الثاني) من عام 2016 عبر إيران (الحدود الشرقية لتركيا) ومن ثم استقر في مدينة قونية وسط تركيا التي واصل منها اتصالاته الهاتفية بالرقة، وأنه وصل إلى إسطنبول في 16 ديسمبر (كانون الأول) 2016 وأقام في منزل تابع لـ«داعش» في حي باشاك الشهير في إسطنبول، ثم انتقل إلى زيتين بورنو قبل تنفيذه الهجوم بيومين فقط.
وقالت مصادر أمنية إن السلطات التركية تتواصل مع الجانب الإيراني للوقوف على أسباب دخول ماشاريبوف من إيران بحسب اعترافاته وإذا ما كانت له ارتباطات هناك.
ورجح خبراء في شؤون مكافحة الإرهاب لـ«الشرق الأوسط» أن يكون التنظيم اختار دخول ماشاريبوف من الحدود الإيرانية لعدة أسباب، أهمها أن إيران يوجد بها كثير من عناصر الأوزبك الذين يمكنهم تقديم مساعدات له، فضلا عن سهولة دخوله من العراق إلى إيران، لكونه أمضى وقتا في العراق، إلى جانب أن هناك تضييقا أمنيا شديدا على الحدود التركية مع العراق وسوريا، فضلا عن وجود أنشطة كبيرة للمهربين على الحدود التركية الإيرانية.
وتابع ماشاريبوف أنه بعد تنفيذه الهجوم عاد إلى مطعم يملكه مواطنون أويغور وأمضى ليلته هناك ثم أخذه شخصان أحدهما عراقي إلى باشاك شهير ثم في 6 يناير أخذه العراقي إلى شقة أسنيورت التي قبض عليه فيها، والتي استأجرها شخص عراقي يدعى علي جميل محمد قبل ستة أشهر وأن هذا العراقي قبض عليه معه هو والفتيات الثلاث.
وبحسب معلومات التحقيقات، حدثت أولى الاحتكاكات بين ماشاريبوف والشرطة في بكير كوي بعد يوم واحد من تنفيذ عمليته؛ حيث تعرف شرطي مرور على ماشاريبوف الذي كان يجلس في المقعد الخلفي للسيارة؛ حيث نجحوا في الهرب بعد إطلاق النار باتجاه الشرطة، ومنذ ذلك الوقت تحققت الشرطة من أنه تم نقله إلى باشاك شهير ثم إلى أسنيورت، وأنه شعر بالذعر بعدما تم القبض على 3 من الأوزبك ممن كانوا على اتصال به في مدينة هطاي في جنوب تركيا وبعدها تمت مداهمة 5 عناوين في أسنيورت. وأضاف مشاريبوف أنه تلقى أولا تعليمات بتنفيذ عملية إرهابية في ميدان تقسيم وقام بإرسال مقاطع الفيديو الاستكشافية التي صورها في تقسيم إلى التنظيم، مشيرا إلى تراجعه عن الأمر بسبب الإجراءات الأمنية التي كان يشهدها الميدان، والتي تأكد له منها استحالة تنفيذ هجومه فيه.
ولفت إلى أنه أجرى اتصالا مع قيادي من «داعش» في الرقة اسمه الحركي «المعلم عكا» وأبلغه باستحالة تنفيذ الهجوم في تقسيم في ظل التكثيف الأمني حيث ذهب إلى الميدان لاستطلاع الموقف الأمني، فطلب منه العثور على هدف آخر في المنطقة ما دفعه إلى إجراء جولة في نحو الساعة العاشرة مساء قبيل رأس السنة لاحظ خلالها ملاءمة نادي «رينا» الليلي للعملية؛ نظرا لعدم وجود إجراءات أمنية مكثفة في محيطه. وأكد مشاريبوف أنه عقب إجرائه اتصالا هاتفيا بالشخص نفسه مرة أخرى والحصول منه على الموافقة بشأن تنفيذ عملية «رينا» عاد بالتاكسي إلى المنزل الذي كان يقيم فيه في زيتين بورنو للحصول على السلاح، ومن ثم توجه مرة أخرى إلى نادي «رينا» حيث نفذ عمليته بدم بارد وهرب.
وذكرت وسائل الإعلام التركية أن جهات التحقيق تركز على كثير من علامات الاستفهام والحصول على إجابات للتساؤلات حول الجريمة ومنفذها، ولا سيما بعد العثور على طائرتي «درون» صغيرتين من دون طيار تستخدمان في عمليات الاستطلاع الجوي للأهداف، إضافة إلى وجود أربعة أشخاص معه بالشقة ساعة الاقتحام، هم رجل عراقي وثلاث نساء، مصرية وصومالية وسنغالية، والأخيرة أضافت مزيدا من الغموض برسالة كتبتها إلى السفاح تقول فيها: «أنا أحبك جدًا، أنت مجنون للغاية».
كما ذكرت تقارير أن مشاريبوف يحمل الجنسية الطاجيكية، بالإضافة إلى جنسيته الأصلية الأوزبكية، وأنه يتقن خمس لغات هي الأوزبكية والروسية والصينية والتركية والعربية، وأنه تلقى تدريبا عسكريا لمدة عامين في باكستان وأفغانستان.
من جانبه، قال وزير العدل التركي، بكر بوزداغ، إن جميع المعطيات تشير إلى صلة تنظيم داعش بالهجوم الإرهابي الذي تعرض له نادي «رينا» في إسطنبول ليلة رأس السنة، وأوضح بوزداغ أن الشرطة تتبعت تحركات مشاريبوف من خلال تحليل جميع المعطيات التي تتعلق به بداية من تسجيلات الكاميرات والمعلومات الرقمية وحتى أدق التفاصيل، حيث تمت تعبئة جميع الإمكانات لإلقاء القبض عليه.
في الوقت نفسه، نقلت «الأناضول» عن مسؤول أمني أوزبكي أن عبد القادر ماشاريبوف، منفذ هجوم «رينا» مدرج على قائمة المطلوبين في أوزبكستان، لانتمائه لتنظيمات إرهابية.
وقال المسؤول: «ماشاريبوف غادر أوزبكستان قبل 6 أعوام وتوجه إلى أفغانستان… السلطات الأمنية الأوزبكية أدرجت اسم ماشاريبوف على قوائم المطلوبين أمنيًا، بعد ورود معلومات استخبارية حول انتمائه لتنظيم إرهابي في أفغانستان».
وأوضح أن ماشاريبوف، مسجل في سجلات مدينة خوقند بولاية فرغانة بأوزبكستان وأن السلطات الأوزبكية، في تواصل مع نظيرتها التركية، تبادل المعلومات حوله.
كما أوقفت فرق الأمن التركية 27 أجنبيا في مدينتي بورصة وإزمير شمال غربي تركيا بعد ساعات من القبض على ماشاريبوف للاشتباه في علاقتهم به، وذكرت مصادر أمنية تركية أمس أن الأشخاص الذين تم اعتقالهم تربطهم علاقات بتنظيم داعش، وأن هناك 15 امرأة من بين المعتقلين. وأضافت أن فرق الأمن داهمت سبعة منازل في مدينة بورصة عقب اعتراف ماشاريبوف على شخص تربطه به علاقة شخصية وأن المعتقلين من جنسيات طاجيكستان وأوزبكستان وقيرغيزستان ومن أويغور تركستان الشرقية شمال غربي الصين المعروفة باسم شينغيانغ.
ولفتت المصادر إلى أن قوات مكافحة الإرهاب صادرت خلال عمليات المداهمة 40 جواز سفر، و38 بطاقة هوية مؤقتة، و15 هاتفا جوالا، وتم اكتشاف صور لتجول شخص من بين المعتقلين مع منفذ هجوم النادي ماشاريبوف. وأشارت المصادر إلى أن الأشخاص الذين تم اعتقالهم في مدينتي بورصة وإزمير يعرفون أنفسهم للناس بأسماء وهمية وعلى أنهم رجال أعمال، كما ألقت قوات الأمن التركية، القبض على 9 أشخاص مشتبهين بصلتهم بتنظيم داعش الإرهابي، في محافظة قونية وسط البلاد، فضلا عن مصادرة بعض الوثائق والمستندات، وتبين أن المقبوض عليهم كانوا يروجون لأفكار التنظيم الإرهابي على مواقع التواصل الاجتماعي.
أضف تعليق