عربي وعالمي

العلاقات التركية الروسية.. من مرحلة الخلافات إلى التحالفات

شهدت العلاقات التركية – الروسية تطورا وتحولا لافتا في الآونة الأخيرة إلى درجة انها تخطت مرحلة تجاوز الخلافات والتوتر اثر اسقاط المقاتلات التركية طائرة حربية روسية على الحدود السورية في نوفمبر 2015 لتدخل مرحلة عقد تحالفات وثيقة.

فقد وصلت العلاقات الى تنسيق كبير وبذل جهود مشتركة لا بل تحالف في السعي لحل الأزمة السورية ليترجم هذا المسعى في البداية بالاتفاق على اجلاء المدنيين من شرق مدينة حلب السورية الى ريف ادلب في ديسمبر الماضي ثم تلاه الرعاية المشتركة لعقد مفاوضات السلام السورية بين النظام والمعارضة في العاصمة الكازاخية أستانا وهي مفاوضات انطلقت أمس الاثنين وانتهاء بقيام الطرفين بشن غارات جوية مشتركة للمرة الأولى ضد مواقع تابعة لما يسمى تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) في شمال سوريا.

وجاءت العمليات المشتركة لسلاح الجو التركي والروسي ضد مواقع (داعش) جنوبي مدينة (الباب) في شمال سوريا في اطار اتفاقية تعاون بين البلدين وقعت بموسكو في 12 يناير الجاري ونصت على تنسيق الطلعات العسكرية الجوية في الأجواء السورية ومحاربة التنظيم المذكور.

وفي حينها أكد وزير الدفاع التركي فكري ايشق ان توقيع اتفاقية التعاون بين انقرة وموسكو يهدف الى ضمان سلامة الطيران خلال الطلعات الجوية في الاجواء السورية ولتفادي وقوع اي حادث غير مرغوب فيه.

وفي اطار الجهود المبذولة لعقد مفاوضات السلام السورية في كازاخستان التقت المعارضة العسكرية السورية يوم الجمعة الماضي في العاصمة التركية أنقرة مع وفد روسي وسيط لمفاوضات السلام اذ تم بحث هيكلية وأهداف وجدول أعمال المفاوضات بالتنسيق مع تركيا الدولة الضامنة لوقف اطلاق النار من جانب المعارضة.

بدورها أعطت حادثة اغتيال السفير الروسي لدى تركيا أندريه كارلوف على يد ضابط بالقوات الخاصة التركية في ديسمبر الماضي دفعة قوية للعلاقات بين البلدين اذ اعتبر المسؤولون الاتراك والروس على السواء اغتيال كارلوف “عملا استفزازيا آخر من الذين يسعون الى الاضرار بالعلاقات التركية الروسية ويهدف إلى عرقلة العلاقات بين الدولتين” فيما اتهمت حكومة أنقرة ما يسمى (الكيان الموازي) بالضلوع في عملية الاغتيال.

واسهمت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى مدينة اسطنبول في أكتوبر الماضي وهي الأولى منذ حادثة اسقاط الطائرة في تعزيز وإعادة تطبيع العلاقات مع تركيا اذ توجت الزيارة التي تمت على هامش مشاركة بوتين في مؤتمر الطاقة العالمي بتوقيع اتفاقية مشروع خط الغاز الطبيعي (السيل التركي) لنقل الغاز الروسي الى أوروبا عبر الأراضي التركية.

ومن المتوقع ان يبلغ حجم ضخ الغاز الروسي في المشروع نحو 63 مليار متر مكعب سنويا منها 49 مليارا ستذهب الى السوق الأوروبية فيما ستخصص كمية 14 مليار متر مكعب للاستهلاك التركي.

وتعد تركيا ثاني أكبر مستهلك للغاز الروسي بعد المانيا اذ تستورد أنقرة سنويا من موسكو 30 مليار متر مكعب ما يعادل نسبة 60 بالمئة من استهلاكها في حين تأتي ايران ثانية في تصدير الغاز الى تركيا تليها أذربيجان ثم فنزويلا فالجزائر.

كما اتفق الطرفان على استكمال بناء المحطة النووية (اكويو) في مدينة (مرسين) جنوبي تركيا والتي تم توقيع عقد بنائها في عام 2010 بقيمة 20 مليار دولار وتدريب 200 طالب تركي في روسيا ليصبحوا خبراء في الطاقة النووية.

كما اتفق الجانبان خلال الزيارة على تسريع التنسيق بين المؤسسات العسكرية والقوات الخاصة وتكثيف التعاون في مجال الصناعات الدفاعية فيما أكد رئيسا البلدين عزمهما على زيادة حجم التبادل التجاري الذي شهد تراجعا بنسبة 40 بالمئة خلال الاشهر الثمانية الأولى من العام الماضي ليصل الى نحو 27 مليار دولار بعد ان سجل 35 مليار دولار قبل حادثة اسقاط الطائرة.

وشهدت انقرة وموسكو منذ 13 يوليو الماضي العديد من اللقاءات الرسمية بين مسؤولي البلدين خاصة في مجالات الاقتصاد والطاقة والسياحة تمخضت عن رفع روسيا القيود عن سفر السياح الروس الى تركيا وتوقيع بيان لتأسيس صندوق استثماري مشترك بقيمة مليار دولار يهدف الى تمويل المشاريع المشتركة والعمل على رفع العقوبات عن صادرات الخضار والفواكه التركية الى روسيا.

والتقى الرئيس التركي رجب طيب اردوغان نظيره الروسي في (سان بطرسبرغ) الروسية في التاسع من اغسطس الماضي وهو اللقاء الاول بينهما بعد حادثة اسقاط الطائرة كما اعتبرت اول زيارة خارجية يقوم بها اردوغان بعد محاولة الانقلاب الفاشل التي شهدتها بلاده منتصف يوليو الماضي والتي اعرب فيها بوتين عن تضامنه مع الحكومة التركية المنتخبة.

وكانت مدينة (هانغزو) الصينية مسرحا للقائهما الثاني الذي عقد على هامش اجتماع قمة مجموعة العشرين (جي 20) في بداية سبتمبر الماضي.

واعتبر مسؤولون اتراك ان تقارب بلادهم مع روسيا لا يعني بالضرورة تأثر العلاقة مع الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وحلف شمالي الاطلسي (ناتو) سلبا رغم امتعاض أنقرة من مواقف تلك الدول والمنظمات واعتبارها انها لم تقف الى جانبها بالشكل المطلوب بعد محاولة الانقلاب الفاشل وكذلك في حربها ضد “الارهاب”.

وكانت العلاقات بين أنقرة وموسكو شهدت توترا كبيرا بعد حادثة اسقاط المقاتلة الروسية في نوفمبر 2015 والتي أدت إلى مقتل الطيارين الروسيين تخللها فرض موسكو جملة من العقوبات الاقتصادية منها إلغاء عقود صادرات الفواكه والخضار التركية لروسيا والتي شهدت انخفاضا في العام الماضي بنسبة 5ر61 بالمئة مقارنة بعام 2015 كذلك ممارستها التضييق على رجال الأعمال الأتراك ووضع عراقيل أمام دخولهم بمشاريع الدولة فضلا عن تعليق نظام الاعفاء من تأشيرة الدخول مع تركيا وفرض تأشيرة دخول على أطقم الطيران التركي الخاص.

كما ألغت الجامعة الوطنية للأبحاث النووية الروسية برنامجا لتدريب الطلبة الأتراك والذي يمثل جزءا من اتفاقية بناء المحطة النووية (اكويو) في حين فرضت موسكو حظرا على تنظيم الرحلات السياحية الى تركيا والطائرات المستأجرة المتجهة إليها ما أدى الى انخفاض عدد السياح الروس بنسبة كبيرة جدا.

بيد ان العلاقات عادت الى طبيعتها عقب اجراء اتصال بين رئيسي البلدين في 29 يونيو الماضي بعد رسالة وجهها اردوغان الى بوتين اعرب فيها عن حزنه ازاء حادثة اسقاط الطائرة وتعاطفه مع أسر الطيارين اللذين قتلا بالحادث.

الوسوم