أقف حائراً أمام سيل التصريحات التي أقرأها يومياً عن التركيبة السكانية وعدد الوافدين نسبة لعدد المواطنين، وأنَّ هذا الأمر يشكلُ خطرا قوميا على أمن الوطن والمواطنين، وهذا ما تبناه عدد من النواب ما حدا بهم إلى طلب عقد جلسة خاصة لمناقشة هذا الأمر!
أمرٌ غريب ليناقش في مجتمع مثل المجتمع الكويتي، ونحن نطالب بأن نطرد أو نقلل من العمالة الوافدة في البلاد لكي نعدل التركيبة السكانية، فمن تريد أن تطرد يا سيدي المواطن؟ أتريد طرد عشرات الآلاف من عمال البناء الذين يعملون عشر ساعات تحت أشعة الشمس الحارقة مقابل 15 أو 20 دينارا في اليوم؟ أو تطرد الخدم أو السائقين أو الميكانيكيين؟ ولو افترضنا جدلا أنَّك ستستغني عنهم جميعا فمن سيعمل في هذه المهن التي يترفع الكثير من أبناء الوطن أن يعمل بها خصوصا بعد ثورة النفط التي أفاء الله علينا به فحولنا من مجتمع منتج إلى مجتمع مستهلك. وإذا تجاهلنا دور العمالة الوافدة في مجال المهن، فكيف ستستغني عن الأطباء والمهندسين والمعلمين وغيرهم من الوظائف التي لا يكفي عدد الكويتيين لسد العجز فيها؟
إذا أردنا فعلا أنَّ نعدَّل التركيبة السكانية، فلا بدَّ علينا أولا أن نسمي الأمور بمسمياتها، فنعرف سبب الخلل في التركيبة السكانية من خلال محاربة تجار الإقامات الذين يحتمون خلف بشوتهم وشركاتهم وأسمائهم الرنانة. لا بدَّ علينا ألا نجامل شركات النظافة التي تستجلب آلاف العاملين فيها ونحن نستطيع الاستغناء عنهم عن طريق الآلات الحديثة. نحن نستطيع أن نعدلَّ التركيبة السكانية، إذا عدَّلنا واقع التعليم في الدولة ليصبح تعليما وفق الحاجة والقدرة، ويكون التعليم الموازي هو شريان ثانٍ لبناء الوطن والنهوض به. نعدِّل التركيبة السكانية حين نعمل كل ما يعمل به الوافد من وظائف ومهن حينها فقط ستجد أن التركيبة السكانية التي تعيش فيها عادلة ومنصفة.
ولو توقفنا قليلا عند من يحمل هم تعديل التركيبة السكانية، وسألناه سؤالا واحدا، هل الخلل في التركيبة السكانية سبب الفساد وتردي الخدمات العامة وتراجع الدولة في شتى المجالات؟ وهل الخلل في التركيبة السكانية هو سبب تأخر الكويت خليجياً وعالمياً؟ فحينها سيعرف فقط أنه يغرد خارج السرب، وأنَّ اجتهاده في غير محله.
لا يمكن أن يكون جزاء الناس الذين تركوا أهلهم وأطفالهم وأوطانهم، الطرد والمنة والنظرة الدونية التي لا يرضى بها الله سبحانه وتعالى ولا يرضى بها نبيه عليه الصلاة والسلام، فالوافدون شركاء في بناء وطنٍ ترفَّع أبناؤه عن العمل في الكثير من المجالات، فكانت هذه المجالات محلَّ جذب للعديد ممن وجد فرصة لتحسين حياته ومستقبله، فبدلاً من أن نحارب من جاء ليبني وطننا كان لزاما علينا أن نشكره لا أن نُجيِّرَ الإعلام والنواب والحكومة ضده بذريعة أنَّ الكويتيين قلة في بلدهم.
لم نسمع هذا الكلام في الإمارات والإماراتيون يشكلون 20 في المئة من مجمل السكان، والسبب في هذا أن القانون هناك ينظم هذه القضية فلا غلبة ولا خوف من كثير على قليل ولا قليل على كثير.
خارج النص:
لا يخفى على أحد أنَّ الحكومة تتلذذ بجلب مستشارين من دول تعاني الفقر والتراجع في شتى مجالات الدولة، وهذا ما جعل المواطن يحتار، كيف لمستشار من دولة تعاني كل أنواع العذاب أن يعطيك مشورة تطور وزارة أو مؤسسة أو حتى إدارة… وإذا كنتم ستعدلون التركيبة السكانية فابدأوا بمستشاريكم الذين تشاهدونهم صباح مساء في وزاراتكم ومجلسكم.
@salman1008 عبالي انت